ما إن نذكر المرأة الشركسية حتى يتبادر إلى الذهن فورا اسم ستناي كواشة" عن شخصية ستناي معروفة من كل قبائل الشركس كما اسمها متداول لديهم كاسم علم ويطلق في الوقت ذاته على زهرة مميزة عما كانت تتحلى به من صفا نادرة وفي مقالة سابقة ذكرنا ان ستناي باللغة الشركسية المقطعية تعني "مانحة الروح" وسنورد هنا بعض مواقفها ودورها في حياة النارتيين ..ففي الملاحم النارتية كان لستناي كواشة منزلة مميزة خاصة فهي أم النارتيين وهي التي ربت ابرز البطال (سوسروقة-شباتينوقة-أشمز) وهي التي تجسد في شخصها اجتماع الجمال والموهبة والذكاء بالإضافة إلى أنها تتمتع بجمال أزلي لايوصف فهي خارقة
الذكاء تشرح للبطال ما يخفى عليهم وهي أول من يدرك ما يستجد في العالم من أمور وهي التي تقرا المستقبل وتملك أسرار كل الأشياء وهي خير عون للنارتيين في اوقات الشدة وفي السيطرة على الطقس وعلى الشمس نفسها ولكلماتها من القوة ما يجعل كل ما تنطق به حقيقة ..وهذه بعض سمات الآلهة في الأساطير إنها تجسد بقايا تصورات قديمة وتقدمها أكثر النصوص على أنها زوجة وزرمج بطل الأبطال لكن تاريخها الشخصي غير كامل اذ لايرد حديث عن أبويها أو ميلادها حتى في النصوص القليلة التي تتحدث عن اختطافها وفي بعض النصوص تقرن ستناي بالشمس وفي هذا النص بعنوان زهور ستناي ما يوحي بأنها الشمس بعينها :
تلك هي ..
كل أفكار العالم من صنع يديها
وكل الجمال في الكون كان صورتها
كانت شريكة بطولاتنا نحن النارتيين
وعندما يهاجمنا العدو كانت ضرباتها
تصد العدو مع ضرباتنا
وفي البراري كانت دليلنا الى مواطن الخصب
شمسنا في النهار وكانت قمرنا في الليل
تلك الأزهار التي ترونها هدية منها
فقد نبتت من أجل ستناي
إنها تزهر من اجل ستناي
... وعن ولادتها لسوسروقة : كانت ستناي تغسل على ضفة نهر كوبان وكان راعي النارتيين واقفا إلى الجانب الآخر من النهر وهو يرعى الأبقار وعندما رآها اقترب من الضفة المقابلة واخذ ينظر اليها كانت فائقة الجمال فجمدت نظراته عليها "هيه يا ستناي الجميلة ! يا أجمل ما رأت عيناي ! انظر نحوي ولو مرة واحدة ..ناداها الراعي وعندما نظرت نحوه رأته متقدا كالنار وأحست هي بان شرارة قد اشتعلت في قلبها ولم تعد قادرة على الوقوف فجلست على حجر عند ضفة النهر وعندما أنهت غسيلها وأرادت الانصراف ناداها الراعي مرة أخرى :-إيه ياستناي الجميلة! يا أجمل الجميلات! بذكائك يهتدي الرجال لماذا تتركين الحجر الذي كنت تجلسين عليه ؟خذيه معك
أطاعت ستناي كلام الراعي وأخذت معها الحجر ومن هذا الحجر ولد سوسروقة"
وكان موقف النارتيون من ستناي ومن ولادة ساسروقة "يتداعى النارتيون وينطلقون لزيارة ستناي التي عم صدى مآثرها البر والبحر ومن لم يرها يسال عنها ومن رآها يروي أخبارها باهتمام اكبر إلى أن يقوم شباتينوقة ويقول : لايوجد مثيل لستناي ولم يظهر بيننا لها من قبل ولن يظهر بعدها لكننا يجب أن نلقي نظرة على وليدها الذي أخرجته من الحجر واتخذته ابنا لها ,,وحين يقابلونها يسألونها بمنتهى اللباقة :كيف حالك؟ ما أبهى نورك! ما انصع بياضك! ما اكبر خلقك وما أحسن طالعه! أنت منا العين والروح كل أمورك تشغل بالنا وأنت اليوم جديرة بعقل لايخطىء وبملك لاينتهي ..وفي هذه الثناء تتقدم السيدة ستناي إلى الأمام قائلة: أعدكم بان أكون عند حسن ظنكم وان يدوم ويعيش بينكم حسن الطالع هذا الذي تحدثتم عنه بالخير والبركة"
ان ستناي كانت اما للنارتيين في
أمور كثيرة وكانت شخصيتها تتحلى بالحكمة والذكاء لذا يلجا النارتيون إليها طلبا للمشورة في كل حين وبطل النارتيين سوسروقة وقد يعود دوما الى أمه يسألها النصح فلا تبخل عليه بذلك بل تستعمل قدرتها الخارقة لتساعده وتنجده في لحظات الخطر وحين يرغب سوسروقة في حضور مجلس النارتيين فغنه ينقل رغبته أولا لمه كي تتوسط له لدى النارتيين فتجيبه : ياولدي الوحيد سوسروقة كل شيء بأوانه دعني أذهب الى النارتنيين وانبئهم باخبارك وارجوهم أن يقبلوك في مجلسهم وبحسب ما يجيبون يكون تصرفنا ..ولكن ستناي لاتجهل بقوانين النارتيين لاتؤمل ولدها بل تقول له: ولكن اعلم يا ولدي إن النارتيين عندهم قواعد صارمة يتبعونها مع الجميع فهم لايسمحون لمن لم يدعوه بأنفسهم بحضور مجلسهم ..وحين تذهب ستناي إلى مجلس النارتيين وتدخل عليهم يقف الجميع ويستقبلونها بعبارات المديح وحين تعرض عليهم طلبها يصمت الجميع فيسارع رئيس المجلس (التحمادا) في اتخاذ القرار ورد الجواب قائلاك جرت العادة أن يرد سؤال المرأة فورا فلاتدعوا ستناي واقفة تنتظر ويكون الجواب بعدم القبول كي لاتخرق العادات والقوانين رغم تقديرهم لمكانتها ومنزلتها كما يتبدى في استقبالهم لها (احتراما للمرأة)ان كل مواقفها مع ابنها تدل على الحزم والصرامة والقوة ..لقد كانت ستناي تمثل الفكر التواق للمعرفة والتطور لاغناء خبرات شعبها وكانت تمتلك قدرات خارقة تقرا المستقبل وتملك أسرار كل الأشياء وكما كانت هي التي تعرف سر الخلود من خلال احتفاظها بسر التفاحة العجيبة التي كانت تنمو على قمة شجرة التفاح الذهبية التي يملكها النارتيون مرة كل عام هذه التفاحة التي تكبر في الأشهر الستة الأولى من العام وتتقلص قليلا في الأشهر الستة التالية ولما كانت اعرف خواصها السرية فقد كانت تقطفها مع بداية قدوم البرد في كل عام تحسبا لما يمكن ان يقع من حوادث فكانت تداوي بها فمن يذوق من هذه التفاحة يصبح طيب القلب منشرح الصدر ويعود إليه شبابه يوما اثر يوم وكانت التفاحة تعيد إلى عمر الإنسان بمقدار ما ينقص من العمر فلم احد يسمع بان ستناي قد هرمت أو وهنت قواها أو تجعد وجهها فقد كانت تدهن وجهها بلب التفاح الأبيض الذي يشبه الزبدة فتغدو بيضاء كالثلج وجهها ناعم أملس كالمرآة ..ومن الصفات الخارقة التي تتمتع بها ستناي انها كانت تستطيع السيطرة على قوى الطبيعة وفي كل ما كانت ستناي تقوم به لم تكن الحكمة تنقصها ولكن كثيرا ما كان دهاء المرأة يلازمها وذلك من خلال زوجها زعيم النارتيين الذي كان يعود من غزواته يقوم بتوزيع المواشي على سكان القرية جميعا وحين كان ينتهي من ذلك يعود إلى بيته وكان الناس مجتمعون يقولون:انه لايفوقنا في شيء ولكن زوجته ستناي هي التي تدفعه للقيام بمثل هذه الأعمال الجليلة والفضل كله يعود إليها في كل ما يفعله وكان زوج ستناي يسمع ذلك ويتجاهله ودام الحال هكذا عدة سنوات ولكنه واجهها في إحدى المرات قائلا:علينا ان نفترق بالطلاق يا ستناي لان الناس يعزون إليك كل مظاهر البطولة والرجولة التي تصدر عني وسمح لها بان تأخذ معها أحب الاشياء الي قلبها وعند ذلك تستسمحه أن تقيم وليمة لآخر مرة تودع فيها الناس الذين عاشت بينهم وأحبوها وأحبتهم وفي أثناء الحفل تطلب من الناس أن يرغبوه بالشراب إلى أن يغيب عن الوعي وفي تلك الأثناء طلبت تجهيز عربة حمل إليها زوجها وصعدت هي إليها وغادرت البلدة وفي الطريق استعاد زوجها وعيه وسألها أين نحن ومالذي حدث؟قالت: لاشيء بما انك الأحب إلى قلبي فقد حققت رغبتك بأخذك معي فأجاب: أنت أكثر دهاء مما يقال عنك ورجع وإياها الى بيتها ..إن مجمل الصفات التي تتحلى بها ستناي تجعلها موضع ثقة النارتيين ..
ولكن كيف تنهي السطورة حياة ستناي كواشة:
تقول الأسطورة إن نسرن بن صوقال النارتي رفض بان يعتبر ستناي أما للنارتيين وان يستمع لنصائحها قائلا:إذا كنا رجالا فيجب ان يكون لنا زعيم نساله ويشير علينا ونطيع امره (وفي هذا تعبير يدل في التحول من الثقافة الامومية الى الثقافة الابوية) وحين سمعت ستناي بذلك تأثرت شديدا فجمعت أمتعتها ورحلت إلى اطراف (قنجالشحة) حيث كان كبار السن يلقون حتفهم فبعد اختفاء ستناي مباشرة يحل الجفاف الشديد بأرضهم فخفت المياه الجارية وشحت مياه الينابيع ويروى ان النارتيين كانوا يجتمعون كل عام مرتين عند سفح (قنجالشحة) في موعد تفتح زهور ستناي ويقيمون الاحتفالات لذكراها ويرفعون أصواتهم بالغناء ..
وفي نص آخر عن موت ستناي تبرز الم المضحية بحياتها لجل ولدها فحين خرجت ستناي تبحث عن ولدها الذي يشارك في حرب طاحنة بعد أن رأت الحلم ما ينذر بالشر وجدت أعضاء جثته متناثرة فأعادت جمعها ورتبتها في أمكنتها وفكرت كيف أدفنه دون أن أغسله؟ ولما لم تجد الماء جمعت الندى عن الأوراق الخضراء وغسلت جسده ولم يبق سوى وجهه وعند ذلك وضعت وجهها على وجهه تنوح عليه غاسلة وجهه بدموعها وعندما غسلت عينيه فتح سوسروقة جفنيه ففرحت ستناي وأدنت شفتيها من شفتيه ففتح سوسروقة فمه وعندما انتقلت روح ستناي إلى ولدها الذي عادت إليه الحياة وسقطت جثة هامدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق