إن أقدم المعلومات التاريخية عن قفقاسيا والقفقاسيين كتبت في أوائل القرن السادس قبل الميلاد ووقتها كانت أكثر شعوب أوروبا القديمة وشعوب إيجه والكريديين وشعوب آسيا الصغرى القديمة قد انقرضت وظهر الشعب اليوناني من امتزاج بعض أقسام هذه الشعوب مع عناصر هندية أوربية..وقام باحتلال البحار والطرق البحرية وحل بذلك مكان الفينيقيين فيها وقام بتأسيس مستعمرات كثيرة على سواحل البحر الأبيض المتوسط ثم على البحر الأسود وأقام على شواطئه المدن التجارية العديدة ..وكانت الإمبراطورية البابلية والإمبراطورية الفرعونية تعانيان من الضعف بانتظار قيام الإمبراطورية الفارسية حوالي عام (550) والتي حلت محلهما
ومنذ أوائل القرن السادس قبل الميلاد وحتى أوائل القرن التاسع عشر بعد الميلاد (تاريخ استيلاء الروس على قفقاسيا) تمكن القفقاسيون من الاحتفاظ باستقلالهم أمام كثير من الضغوط التي تعرضوا لها من قبل الشعوب الغازية وهذه الضغوط هي :
أولا: الضغط الآري (يونان ,غيران, روما,) من جهة الجنوب
ثانيا: الضغط الطوراني (مغول,ترك) من الشمال والجنوب
وكانوا كلما اشتدت وازدادت الضغوط عليهم ينسحبون ويتراجعون أما مها باتجاه الجبال تاركين السهول ورائهم فتقلصت من ذلك رقعة المناطق التي يسكتونها حتى اقتصرت بلادهم عند بدء الاستيلاء الروسي عليها على السلسلة القفقاسية وتفرعاتها الشمالية والجنوبية
لم يتمكن القفقاسيون من تأسيس حكومات قوية وحضارات لامعة خلال القرون الخمس والعشرين المذكورة بسبب تعرضهم للحروب الدائمة ولكنهم تمكنوا من الاحتفاظ بما لديهم من مدنيات قديمة امتزجت بالطباع الحربية وتأثرت بالمؤثرات الخارجية
أولا: دخول الديانات المسيحية إلى القفقاس من الجنوب في أوائل القرن الأول الميلادي وانتشرت فيها خاصة خلال القرن السادس للميلاد وتنصر الكرج والشركس
ثانيا: وصل العرب قفقاسيا من الجنوب في القرن الثامن الميلادي وأسلمت بعض قبائل الكرج وقبائل الداغستان واسلم الشراكسة بدءا من القرن السابع عشر وحتى نهاية القرن الثامن عشر للميلاد بدون فتح ولا إرغام وذلك بتأثير عوامل سياسية واقتصادية مختلفة منها:
ـ العلاقات السياسية والاقتصادية مع دولة المماليك في المشرق ثم مع الأتراك العثمانيين ثم مع التتار حكام القرم ثم تحول الصداقة الشركسية الروسية إلى عداء مستحكم بين الشعبين بعد ظهور السياسة الاستعمارية التوسعية لدى قياصرة الروس
شعوب قفقاسيا
يقطن في قفقاسيا شعوب مختلفة وهم القفقاسيون الأصليون والآريون والتورانيون واليهود .
يتألف الآريون من الأرمن وبعض العناصر الإيرانية في قفقاسيا الجنوبية والوسطى والسلافيين الذين سكنوا قفقاسيا بعد الاستيلاء عليها من قبل الروس
يمثل التورانيون بعض القبائل الموغولية في قفقاسيا الشمالية(قوموق، بالقار, قره شي, نوغاي) وقبائل ازربيجان التتارية التركمانية في قفقاسيا الجنوبية ويسكن بعض اليهود في مناطق متفرقة وقليلة من قفقاسيا
أما القفقاسيون الأصليون فإنهم يتألفون من الشراكسة والداغستان في قفقاسيا الشمالية ومن الكرج في قفقاسيا الجنوبية ويسكن (الأوسه ت) فيما بين الشراكسة والداغستاني في قفقاسيا الوسطى ومعهم عناصر إيرانية وآرية
اللغات القفقاسية
يتكلم القفقاسيون الأصليون لغات متعددة لايدخلها اللغويون في عداد اللغات الآرية أو السامية او الطورانية ويسمونها لغات قفقاسية وتشبه هذه اللغات اللغة الباسكية واللغة الاتروسكية ولغات عديدة استعملت قديما في آسيا الصغرى وشمال سوريا كاللغة العيلامية والحثية والميتانية وغيرها
وتنقسم اللغات القفقاسية إلى مجموعتين كبيرتين اللغات القفقاسية الشمالية واللغات القفقاسية الجنوبية
وتقسم اللغات الشمالية إلى فرعين الفرع الشركسي abazo_kerkete
والفرع الداغستاني lezgo_tchetchene
ويحوي الفرع الشركسي ثلاث لغات :الأديغة ـ الأبازة ـ الوبخ كما وأن الفرع الداغستاني يحوي عدة لغات مثل : اللزك,الشاشان, الأورا الخ..
وتقسم اللغات القفقاسية الجنوبية اي الكارتواليه إلى عدة لغات :
_الكرجيه المنفره ليه السوانية لازيه..الخ(تروبتسكوي) ويتكلم (الأوسه ت) في قفقاسيا الوسطى لغة آرية إيرانية تحوي عناصر قفقاسية كثيرة..وإذا كانت الصلات فيما بين لغات قفقاسيا الشمالية وقفقاسيا الجنوبية تحتاج إلى إثباتات علمية أكثر مما جرى بحثه حتى الآن فان قرابة لغات قفقاسيا الشمالية فيما بينها لم بحاجة لإثباتات إضافية لأنها أصبحت جلية وواضحة لدى علماء اللغة حيث تتوفر لغات قفقاسيا الشمالية بوفرة حروفها الصامتة التي تتجاوز أحيانا الربعين حرفا وتبدل نهاية الأسماء حسب إعرابها وتمييز فاعل الفعل اللازم عن فاعل الفعل المتعدي ,وبوفرة أفعالها مع ضم مزيدات اليها تعبر بوضوح وسعة فائقة عن المعاني المختلفة المضادة في اللغات الآرية والسامية بواسطة حروف الجر وبرجوع أصل الفعل غالبا إلى صامت واحد..الخ
العرق القفقاسي
وهو تعبير أطلق من قبل العلماء منذ مدة طويلة على العرق الأبيض لأن البلاد القفقاسية كانت معروفة بأنها مهد الجمال الأمثل والقوام الأكمل للإنسان البيض وكان الجمال الشركسي والكرجي مشهورا منذ القديم تغنى به الشعراء وكتبت عنه الكتابات الكثيرة وكانت هذه الميزة الطبيعية للشعوب القفقاسية سببا لوقائع تاريخية جسيمة في الماضي ..ومنذ أوائل القرن الحالي العشرين ترك علماء علم الأنسال التعابير القديمة مثل العرق القفقاسيوالعرق الصفر ..الخ ..التي كانت تجمع عناصر شتى متباينة من البشر في جنس واحد..وقاموا بالتصنيف استنادا غلى خواص حكمية ثابتة دورانية لاتتغير إلا بالاختلاط مثل شكل الجمجمة والوجه وتركيب لون الدم ولون العيون ولون الشعر والقامة..الخ..وعلى هذه الأسس الحديثة تجمع القفقاسيين الأصليين حول عرقين أساسيين :عرق البحر السود,والعرق الجبلي
ويتميز عرق البحر السود بالرأس الطويل والوجه الطويل والأنف المستقيم والعيون الملونة (غير السوداء) والشعر الكثيف الكستناوي وبمثل هذا العرق الشركس(الأديغة, ابازه, أوبيك) والاسوه ت الغربيون(ديغور,تاغاديفور) وبعض القبائل الكرجيه(سوان, منعزله, غوري)
ويتميز العرق الجبلي بالرأس المرتفع القصير والعيون السوداء والقامة المتوسطةمع عيون زرقاء وأنف منحن موجه إلى الأسفل أحيانا وبمثل هذا العرق الداغستانيون (لزكي شاشان) والكرج.
من كتاب (مدخل إلى تاريخ الشراكسة)
للكاتب (أمين سمكوغ)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق