الأحد، 15 يوليو 2018

مذبحة المماليك في القلعة


إمعانا في قوة الشراكسة عمد السلطان الناصر محمد إلى تعقب أنصار الأمير بيبرس الجاشنكير من الشراكسة فوزع عددا كبيرا منهم على أمراءه الترك وبالغ في قتل الكثيرين منهم حتى فر من وجه الأمراء، الشراكسة قراسنقر وانوش الامزم والزردكاش ، وهم من كبار الأمراء، الشراكسة وتابع موجات اضطهاد الشراكسة ، فاخذ في عرض المماليك البرجية ووفر جوامك عددا منهم وقطع رواتبهم وأعطى الاقطاعات والرواتب التي توفرت نتيجة حرمان الشراكسة منها وخاصة في اراضى الجيزة الى مماليكه الترك .

ثم انه في سنة 722 هـ / 1321 ميلادي  أعاد الناصر محمد عرض المماليك البرجية ( الشراكسة ) واخرج مائة وثمانين من كبارهم إلى العمل في سورية أما من خشي خطرهم فانه أصدر أمره بقتلهم غرقا في النيل .



السلطان فرج
إن سياسة الشراكسة التي بدأها السلطان برقوق جلبت لابنه السلطان فرج متاعب كثيرة سببها الشراكسة أنفسهم ويرجع هذا إلى مخالفة السلطان فرج لاتجاه أبيه ، حيث مال إلى المماليك الروم لان أمه ( خوند شيرين ) كانت رومية . وحين مال السلطان الشركسى فرج إلى الروم وزاد في إكرامهم حقد عليه الشراكسة وأرادوا تولية الأمير لاجين الشركسي اكبر الشراكسة سنا لولا ان قبض عليه سنة 803 هجري الموافق 1401 ميلادي ثم عاد الشراكسة يتحينون الفرص لقتل فرج . وعلى حين اخذ فرج يلهو مع مماليكه في حمام في ربيع الأول سنة 808 هجري الموافق 1405 ميلادي امسك به احدهم مدة طويلة تحت الماء حتى كاد يموت غرقا لولا مساعدة مملوك رومي ، وكان سبب اختفاء فرج في هذه السنة إحساسه بكراهية الشراكسة له ، وأنهم لم يهتموا بشكواه في موضوع اعتداء بعض المماليك الشراكسه عليه في الحمام واعتقد الشراكسه أن عودة فرج إلى عرشه في جماد الآخر سنة 814 هجري المرافق سنة 1411 ميلادي . ولما كان الشراكسه هم عماد هذه الدولة فان السلطان فرج بانقسامه على نفسه جلب على سلطنته الخراب ولم يكن عجيبا إذ يتمكن واحد منهم من قتله في 17 من صفر سنة 815هجري .


بعد معركة الريدانيه المعروفة ، وبمجرد دخول طلائع العثمانيين القاهرة شرعوا في تعقب الشراكسه في كل مكان وحتى في البيت والمقابر فمن كان يقع منهم تضرب عنقه فورا وساعدهم في ذلك العربان حيث قتل منهم في يوم واحد ثلاثمائة وثلاثون شركسيا .

قرر طومان باي الرجوع إلى القاهرة ولم تمض خمسة أيام على انتصار العثمانيين عليه ، ففي ليلة الأربعاء الخامس من المحرم 28يناير 1517 ميلادي  بعد صلاة العشاء تمكن من تسريب أتباعه في حاراتها ، حتى وصلوا إلى معسكر السلطان سليم وأشعل معسكر سليم بالنار وظن سليم انه مأخوذ لا محالة ، واستمرت مقاومة الشراكسة ومعهم المصريون أربعة أيام وليال ، إلى  يوم السبت حيث ظهروا فيها على العثمانيين ، وبسبب انتصار طومان باي ، فانه خطب له في القاهرة في يوم الجمعة ، مع انه في يوم الجمعة الماضية ، كان قد دعي لسليم ، ويبدو أن حرب الحارات التي اكره عليها العثمانيون لم تعد تلاءم العثمانيين ، مما جعلهم يلجاؤون إلى تكتيكهم السابق بالحرب بالبارود وحده الذي كانوا يعتمدون عليه في كل حرب ناجحة ، لتفوقهم فيه . فصعدت الانكشارية من رماة البندق (الرصاص ) إلى المآذن وصاروا يرمون في كل اتجاه بالبندق الرصاص ، مما اجبر الشراكسة والأهالي على وقف المقاومة واضطر طومان باي وصحبه إلى الانسحاب إلى خارج القاهرة .

وقتل العثمانيون كل من وقع في أيديهم من الشراكسة الذين تخفوا في بيوتهم أو في أماكن أخرى ، وبلغ عددهم نحو ثمانمائة ، من الأمراء، والمماليك العاديين ، بما فيهم الأمير كرنباس والي مصر السفطاط الذي هتف وهو يموت بحياة طومان باي في نصرة الله ، وقد اعتبرت

هذه المحاولة الفاشلة من قبل طومان باي الكسرة الرابعة للمماليك الشراكسة على أيدي العثمانيين ، بعد مرج دابق وغزة والريدانية . وقد لجا طومان باي إلى البهنسة وهى غربي النيل في جنوب القاهرة فأقام فيها متخذا النيل كخط دفاعي له وبمد عدة محاولات عسكرية فاشلة لسليم يبدو انه وجد أن لا سبيل له مع طومان باي إلا أن يخوض بنفسه معركة حاسمة جديدة وقبل أن يحاربه قتل جميع الأمراء، الشراكسة المحبوسين في القلعة فكان منهم من هو مقدم مائة او أربعين اوعشرة من أمراء الجيش الشركسي أو من كان يتولى وظائف أخرى كبيرة في جهاز الحكم المملوكي السابق مثل نائب القلعة ، وحاجب الحجاب ، والزرد كاش ، وأمير السلاح ، والخازندار ، وراس النوبة ، وكانه بذلك قرر ان ينهي التركيب المملوكي في مصر إلى الأبد على ان باكوات المماليك (الذين قاتلوا ببسالة ) لم يجيدوا الكر والفر فقط بل كثيرا ما اقتحموا مربعات الجنرالين ( ديزيه ورينيه ) . ولكن هذا الاستبسال كان نتيجة الفناء الأكيد ومنذ ذلك الحين لم يصبح لهذه الشركـة الحرة القوقازية باعتبارها قوة عسكرية شان يفوق فيالق الناشبوزق من الالبانين او فصائل الانكشارية التركية . أما بصفتهم حزبا سياسيا فقد ظل المماليك محتفظين بسيطرتهم إلى أن هدمها محمد علي. وأما بصفتهم أعيانا فان من ذريتهم من لا يزال بين زعماء احد الأحزاب البرلمانية الى اليوم .
 Click to view full size image

في سنة 1199 هجري جاء الجيش التركي الى مصر وهزم المماليك فجمع القائد التركي قبطان باشا أمتعتهم ونسائهم وعرضهم للبيع في قصر العيني . وهنا تصدى له الشيخ السادات فمنعه من بيع النساء، قائلا ( قد ارسلت إلينا لمعاقبة ابراهيم بيك ومراد بيك وليس لهتك شرائعنا والطعن في عاداتنا ) ، فاستثنا قبطان باشا الحوامل من البيع .
بينما عسكر بقية المماليك تحت زعامة كبيرهم عثمان بيك البرديسى ومحمد بيك الالفى في الجيزة ودبّر الصدر الأعظم وقبطان باشا مكيدة للتخلص من المماليك وأوهمها بإعداد وليمة لهم في أبي قير فلما لب المماليك الشراكسة الدعوة ما لبثوا أن أدركوا الشرك الذي نصب لهم فحاولوا الفكاك منه فنجا البرديسي  واثنان آخران وقتل بعض الزعماء هذا في حين أن الصدر الأعظم في القاهرة أرسل من رجاله من هاجم المماليك في الجيزة واحرقوا بيوتهم فالتجئوا إلى الانكليز فلم يضنوا عليهم بالحماية . بعد انسحاب جيش نابليون بونابرت بشكل مهين من مصر تسلم يوسف باشا الصدر الأعظم زمام الحكم في القاهرة باسم السلطان العثماني بينما ظل حسين قبطان باشا قائد العمارة العثمانية حاكم الإسكندرية . وعسكر الانكليز في مصر القديمة بينما عسكر المماليك تحت زعامة كبيرهم عثمان بيك البرديسى ومحمد بك الالفى في الجيزة ( وكان مراد بك قد توفي في حينها ) .

وما ان تولوا خسرو باشا حتى حاول القضاء على بقية المماليك وقد أصبحوا تحت زعامة البرديسي والألفي ، ولكن محاولته فشلت لان المماليك كانوا أصحاب الكلمة في الصعيد بينما لم يكن يدين للباب العالي بالطاعه عة سوى القاهرة والإسكندرية وكان بين رجال التجريدة العثمانية السابقة مجاعات من الارناؤوط ( الالبايين ) والانكشاريين فتفرقت هذه الجماعات لحماية مصر السفلى وبعض مدن الصعيد . أما الانكليز بقيادة هتشنسون ظلوا في الا سكندرية ريثما يول الباب العالي واليا عثمانيا يكبح جماح المماليك الشراكسة الذين كالوا لا يزالون يحاولون الاستقلال . فعين الباب العالي حمد خسرو باشا وكان في  الأصل من مماليك حسين قبطان باشا وهو الذي سعى له في هذه الولاية . وكانت معه أوامر سرية بإعدام المماليك باية وسيلة فشرع في محاربتهم وكانوا في الصعيد فاستغاثوا بالفرنسيين فلم يغيثوهم ، وعادت حملة خسرو من الصيد بالفشل ثم حاربهم مرارا في أماكن مختلفة وفي جملتها واقعة بعث إليها من جنده وكان محمد علي قد ترقى إلى رتبة سرششمة وأصبح قائدا لاربعة الاف من الالبابين فامره خسرو بمد حملته ولكن محمد علي وصل بعد ان كانت حملة خسرو قد دارت عليها الدوائر ونسب قائدها هزيمته إلى تأخر وصول محمد علي فحقد خسرو عليه وأصر على إعدامه .

مذبحة المماليك في القلعة
ما كاد الأمر يستتب لمحمد علي في مصر حتى  بدا ينظم شؤون البلاد الداخلية وينشئ  جيشا محترما قويا ، وبينما هو ماض في إصلاحاته إذ بالسلطان محمود يكلفه بإرسال تجريدة عسكرية إلى شبه جزيرة العرب لقمع الحركة الوهابية التي كانت قد استفحلت وعظم خطرها حتى أصبح يخشى منها على كيان الإمبراطورية العثمانية نفسها . فصدع محمد علي بالأمر واخذ في إعداد المهمات اللازمة للحملة التي  تقرر أن يرسلها تحت قيادة ابنه طوسون باشا ، بيد انه فكر في أمر المماليك وخشي على أمر البلاد منهم فيما لو سارت الحملة قبل أن يفرغ من أمرهم ولذا بيت رأيه على إهلاكهم جميعا ، قبل مسير الحملة وأنت تعرف أن المماليك بعد أن اضمحل شأنهم كانوا قد قنعوا بالتمتع بأرزاقهم ممتلكاتهم وتفرقوا في إنحاء القطر فمنهم من سكن الصعيد ومنهم من أقام في القاهرة وكان زعيمهم شاهين بيك قد أذعن لمحمد علي وتصافيا فاقطعه محمد علي أرضا بين الجيزة وبني سويف والفيوم فالتجأ إليها.

أما قواد الحملة المراد تسييرها ضد الوهابيين فقد غادروا القاهرة في فبراير سنة 1811 ميلادية وعسكروا في الصحراء بالقرب من قبة العزب لبثوا ينتظرون إتمام تجهيز الحملة ومعها طوسون باشا ، ثم تحدد يوم الجمعة لوداع طوسون والاحتفال بخروجه ورجاله إلى قبة العزب ونادى المنادون في المدينة معلنين ذلك الخبر ودعا الأعيان والوجهاء ومن ضمنهم المماليك لمشاهدة حفلة الوداع وطلب إليهم الحضور بالملابس الرسمية وفي اليوم المحدد وهو يوم الجمعة أول مارس سنة 1811 ميلادية احتشد الناس عند القلعة وحضر شاهين بيك ( الشركسي ) في جمع مماليكه فبالغ محمد علي في استقبالهم والترحيب بهم ثم أديرت أقداح القهوة ولما حانت الساعة المعينة أمر محمد علي بالمسير فسار الموكب وكل في مكانه جاعلين المماليك إلى الوراء يحيط بهم الفرسان والمشاة ولما اقتربوا من باب العزب وهو احد أبواب القلعة في مضيق بين هذا الباب والحوش العالي أمر محمد علي فأغلقت الأبواب وأشار إلى الجنود الألبان (الارناؤوط) فهجموا بغتة على المماليك فذعروا وحاولوا الفرار سعيا على الاقدام والسيوف مشهرة في أيديهم ولكن الجنود تداركوهم بالرصاص من النوافذ ، فقتل شاهين بيك أمام ديوان صلاح الدين .
 Click to view full size image

 ثم نودي في المدينة بطلب القبض على المماليك وكل من جيء به إلى القلعة لقي حتفه في الحال وبلغ عدد من دعي من المماليك ( الشراكسة ) إلى الوليمة 400 لم ينج منهم إلا اثنان احدهما احمد بيك زوج ابنة إبراهيم بيك اكبر وكان متغيبا في إحدى القرى والثاني أمين بيك وقد حضر إلى القلعة متأخرا فانتظر عند باب العزب ريثما يخرج الموكب فلما أغلقت الأبواب وسمع إطلاق الرصاص أدرك الحيلة فهمز جواده وطلب الصحراء قاصدا سورية والشائع على الألسن أن أمين بيك هذا كان داخل القلعة فلما نشبت المعركة همز جواده فوثب به من فوق السور لجهة الميدان فقتل جواده وسلم هو ولكن الأقرب إلى الحقيقة أن هذه الإشاعة مبالغ فيها ، ثم نودي بالسواق بان شاهين بيك زعيم المماليك قد لقي حتفه وراح الناس ينهبون بيوت المماليك ، وفي اليوم التالي نزل محمد علي من القلعة وطوسون معه وطاف المدينة أمرا الناس بوقف النهب وإنذار من يخلف الأمر بالقتل . وقد قتل في ذلك اليوم 23 من بكوات المماليك عدا مئات من قتل منهم في الأقاليم ونزل طوسون باشا في اليوم التالي إلى الأسواق ومعه بعض الجنود لتسكين القلوب ووقف حركة النهب بينما دفن قتلى المماليك في حفرة حفرت لهم في القلعة .
مجزرة القلعة
والآن وقد خلي بال محمد علي من أعدائه فقد رأى أن يتخلص أيضا من العدو الأخير ألا وهو المماليك الشراكسة الذين لم يطردوا نهائيا من الصعيد إلا في سنة 1810 ميلادي ولا كان محمد علي قد اعتزم بعد ذلك أن يخرج في إحدى غزواته في بلاد العرب ( الحجاز ) ، فقد عقد نيته على الإجهاز على المماليك جملة واحدة بصفتهم حزبا فأرسل يدعوا رؤساءهم ويبلغ عددهم 400 للحضور إلى القاهرة لمشاهدة الحفلة التي سوف تقام بمناسبة رحيل التجريدة العربية ( فبراير سنة 1811) ولكن إبراهيم زعيمهم المسن كان احرص من ان يترك حصنه في بني سويف بل كان أشبه بالثعلب المذكور في الخرافة ذلك انه اكتفى بإرسال الرد مصحوبا بقائمة بأسماء من جرتهم خطواتهم إلى عرين الأسد ولكن شاهين الشاب خليفة ألفي بيك خدع بأمل العودة لرؤية مباهج القاهرة بصحبة حاشيته وعدده 400  من البكوات ، فبالغ محمد علي في استقبالهم في القلعة وقدم لهم أقداح القهوة واكب على مباسطتهم بأطيب الحدث والسمر .

ثم بدا الموكب بعد ذلك فسار فيه المماليك وسط صفين من الألبان والأتراك حتى وصلوا إلى درب لا فكاك لداخله وهنا أطلق الجنود النار عليهم فاستبسل بعضهم وخلعوا معاطفهم وحليهم وصمدوا للقتال إلى أن خروا مضرجين بدمائهم بينما تلقى البعض الأخر ما حل بهم بجلد ووقار وقد وافاهم حتفهم وهم في الصلاة وهكذا قتلوا عن بكرة أبيهم وبينما كان هذا يجري هنا ( القلعة ) طاحت رؤوس ألف منهم في القاهرة وفي الأرياف وانتبهت قصورهم .
Click to view full size image

إلا أن للشرق حقا طريقته المختصرة الناجعة للتخلص من الطبقات الحاكمة التي ينزلها القضاء عن كرسي الحكم .

وقد دخل على محمد علي وهو في مخدعه الخلفي طبيبه الخاص فألفه ينتظر وصول الأنباء فحياه بقوله ( إذن هذا اليوم حقا ليوم جليل الشأن لسموكم ) فلم يرد محمد علي إلا بان طلب قدحا من الماء دون أن يفوه بكلمة واحدة لان الرجل لم يكن يوما رجل أقوال بل رجل أفعال .

عن المذابح
بغض النظر عن أعمالهم ومنجزاتهم التاريخية المجيدة التي أعادت للأمة العربية بعضا من تاريخها التليد ، هل من المعقول في بداية القرن الحادي والعشرين ان نغمض أعيننا عن الحقائق الدامغة وعن الأعمال المجيدة للشراكسة في المنطقة العربية منذ اشتراكهم مع صلاح الدين الأيوبي في تحرير القدس ومرورا بمحاربة كل حملات الصليبين والمغول والتتار والتآلف المغولي الصليبي حتى أتموا كنس البلاد العربية منهم ، هل ننسى أن السلطان الشركسي قانصوه الغوري كان يحارب بأسطوله أقوى أسطول صليبي في حينها وهو الأسطول البرتغالي على شواطئ  الهند عندما داهمهم الغزو العثماني في مرج دابق وبعدها في الريدانية ، هل ننسى أن آخر سلاطين الشراكسة طومان باي قد قاتل ودافع عن مصر العربية في أربعة معارك كبرى بعد أن دافع عن حرية بلده مصر من قرية إلى قرية ومن حارة إلى حارة في القاهرة بعد ان رفض طلب السلطان سليم بان تسك العملة باسمه ويدعى له في المنابر مقابل انسحابه من مصر والإبقاء على ملك طومان باي مدى الحياة . هل ننسى انه ألقى قصيدته المشهورة التي سجلها له الأمير الشركسي شربك الذي قاتل معه إلى آخر رمق في حياتهما ، يذكر المؤرخ ابن زنبل شيئا عجيبا عن طومان باي لم نصادفه لأي سلطان شركسي آخر من سلاطين المماليك في مصر إلا أن له دلالة كبيرة تبين بان طومان باي كان يعتبر نفسه مصريا عربيا رغم انه شركسي الأصل أبا عن جد يقاتل في سبيل مصريته وعروبته وإسلامه ، فيذكر أن طومان باي وهوعند اهرام الجيزة قرض قصيدة طويلة من الشعر العربي بلغت مائة بيت كتبها له الأمير الشركسي شربك بيتا بيتا وعلقها عند الأهرام( تتضمن النوائب التي حلت به وبدولته الشركسية وانه بحكم المسؤولية يقبل قدره وانه فعل ذلك من اجل مكانة مصر التي شهدت مولد الزمان ومولد الحضارة وعلى العكس فان سليما بعد هذا النصر تفرج على الأهرام وأعجب ببنائها فقط . وقد جاء في مطلع قصيدة السلطان الشركسي طومان باي والذي كان قد اجبر على تسلم السلطة .

دموع العين فاضت من ماق         وقلبي ذاب من كثرة احتراق

فلا نار طفاها دمع عيني             ولا دمع يفيض من اختناق

ومن عجائب الدهر أن يقف الجيش الشركسي مرة أخرى في عام 1798 ميلادي في معركة الأهرام يدافع عن مصر ضد غزو جيش الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت حيث تصدى له مراد بيك الشركسي وجنوده وهم بدروعهم البراقة وملابسهم الزاهية ، فلما رأى بونابرت حسن استعداد الشراكسة التفت إلى جنوده وقال جملته المأثورة ( اعلموا أن خمسين قرنا تنظر إليكم من قمم هذا الأهرامات وتراقب حركاتكم نظر ما يؤول إليه أمركم مع هؤلاء المماليك ) .



لقد كان إفراغ بلاد الشراكة من شبابها وبالا عليهم وعلى وطنهم التي أضحت لقمة سائغة منذ الغزو المغولى والتتاري وغزوات خانات القرم وأخيرا الغزو الروسي القيصري الاستيطاني التي حاولت أن تهضم شمال القفقاس ولكن دون جدوى .

إن تضحيات الشراكسة في المنطقة العربية يجب أن لا تقابل بالجمود ونكران التضحيات التي قاموا بها من اجل الإسلام أولا والوطن العربي ثانيا .

مجلة (نارت)
بقلم عدنان محمد مصطفى قبرطاي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق