أهم ما في الحياة الاجتماعية التي رافقت الشركس طيلة مسيرتهم والتي يجب الإحاطة بها هي ( المضافات ) حيث كان معظم التراث الشفوي الشركسي يتجلى بها لا يوجد شعب إلا ولديه عاداته وتقاليده المتعلقة بالضيوف والضيافة مع تعدد الأساليب .
وبالنسبة للشركس فقد كان إكرام الضيف من السمات البارزة في مجتمعهم يشهد بذلك القاصي والداني ولم يزر أحد مناطق القفقاس إلا وسجل إعجابه بطرق الضيافة عندهم وقد وردت كثير من الكتابات بأقلام أشخاص مشهورين زاروا مناطق القفقاس ومنهم الراهب (جان دي ليوك) عام 1925م حيث قال: (لايوجد شعب في الدنيا يولي ضيفه اهتماما مثل الشركس)
قديما المقصر في إكرام الضيف ينبذ لأنه يجلب العار على نفسه وعائلته وأسرته وربما وصل الأمر إلى أن يحاكم أمام مجلس البلدة أو القرية.
واجبات إكرام الضيف وكيفية التعامل معه من المواضيع التربوية الرئيسية التي تغرس في الأولاد من قبل الأباء والأمهات, لأن عادة إكرام الضيف وجدت منذ وجودهم, وبسبب التجارب الكثيرة التي مروا بها في هذا المجال ونتيجة لاهتمامهم الزائد بالضيوف قد تكونت لديهم دلالات محددة ورد كثير منها في التراث الشركسي يستدلون ويتنبؤن بوساطتها عن وصول الضيف حتى أصحاب المعتقدات الشعبية المتوارثة عند الشركس. أمثلة ذلك:
(إذا صاح الديك في غير أوانه سيصلك ضيف).
(إذا رايت القط يخرمش الحصيرة سيصلك ضيف).
(إذا صاح الطائر العقيق مقابلاً للبيت فسيأتي ضيف من اقارب الزوج. وإذا صاح خلف البيت فسيصل ضيف من اقارب الزوجة).
وكان الفلاح الشركسي يحتفظ بأفضل منتجاته بانتظار الضيوف, كما كان الأغنياء يخصصون بعض قطع الأراضي يزرعونها خصيصاً للضيوف ولتوفير العلاف لخيولهم ومهما كانت صفة الضيف كان من الواجب إكرامه حيث كان لكل شركسي مضافته المناسبة مع حالته ووضعه,وكانت المضافة تقام خارج البيت قريباً من المدخل الرئيسي للدار, وفي المضافة يجلس الضيوف يستمعون لأحاديث كبار السن, وكانت تعلق في المضافة: المسدس, الفروة الشركسية, السيف, الأنشوطة, السجاد, وأحياناُ ترى رسن الحصان, بارودة, غطاء الرأس, القامة( الخنجر الشركسي).
وترى في المضافة المناديل والبسط والفرش ومائدة الطعام من ثلاث قوائم وكل ما يلزم الضيف, وهكذا يمضي الليل والرجال يستمعون إلى كبارهم.
ومعاملة الضيف منذ لحظة وصوله كانت تحكمها عادات وتقاليد متوارثة, بكيفية إنزاله من الحصان وطريقة تحيته والترحيب به والاهتمام به وبحصانه وبعد مرور ثلاثة أيام, يسال بطريقة لبقة جدا.. عن فترة إقامته:
(الاستضافة من حق المضيف ولكن حق المغادرة فللضيف).
ومما يجدر ذكره أن هذه المضافات لم تكن مخصصة لاستقبال الضيوف الغرباء وإقامتهم, فقد كانت عامرة يؤمها الأهل والجيران وأهل البلدة, وكانت تلعب دورا كبيراً في حل المشكلات التي تواجه المجتمع بكافة فئاته وكانت بمثابة مدرسة تربوية تناقش فيها فعاليات كثيرة.
وعن الأحاديث التي كانت تدور في المضافة مناقشة أمورهم العامة وحل مشكلاتهم وتمجيد الشجعان وانتقاد الجبناء, وكانت أبواب المضافات مفتوحة ليل نهار وأيضاً تروي فيها القصص والأخبار وتؤدى الأغاني والعزف عادة كان من يبدأ بالحديث هو الضيف موجهاً كلامه إلى كبار السن ولم يكن يقاطعه أحد والمخوّل بالرد عليه هو أحد كبار السن وعندما يريد أن يتكلم أحد من الحاضرين يطلب الإذن من الضيف وكبير السن الموجود في المضافة ومثل هذه المجالس كان يحضرها أشخاص أعمارهم متفاوتة, ويسمع الصغار ما يدور بين الكبار, ويشاهدون سلوكهم وتصرفاتهم ويقفون على أهبة الاستعداد لتلبية أي طلب من الكبار.
وحسب العادات الشركسية كان من الواجب إكرام الضيف حتى لو كان عدوا دون إظهار أي امتعاض من ذلك.
وأخيرا أقول إكرام الضيف من حق الجميع بغض النظر عما إذا كان صغيراً أو كبيراً في السن, غنياً أو فقسراً, صديقاً أم عدواً, ذكر كان أم أنثى, ولذلك قيل في هذا المجال المثل الشركسي:( الضيف, ضيف مهما كان عمره), (ضيفك, ضيف ولو كان غريمك).
إذا تعدد الضيوف فإن الاحترام الكبر يعطى للقادم من بعيد.
وإذا كان الضيف أنثى فكانت تستضاف داخل البيت وليس في المضافة فهي من نوع ضيف البيت, وهذا يدل على المكانة الكبيرة التي كان الشركس يولونها للمرأة.
وكذلك الأهل والأقارب يستضافون داخل البيت لنهم من ضيوف البيت أيضاً.
ومن العادات المتبعة في المضافات لا يجوز إلا للمضيف أن يجلس قبل أن يأذن له الضيف, فلا يجوز ترك الضيف وحده في المضافة.
مجلة البروز_ محمد شكيب ذو الكفل غوجل
عن المرجع: مدخل للتراث الشفوي الشركسي
عاطف حاج طاس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق