الثلاثاء، 8 أغسطس 2017

الأعراف الأسرية لدى شراكسة القوقاز


"مقتطفات تتعلق بوضع المرأة "

يعيش القبرتاي غالبا على أسلوب العائلات المنفصلة رغم أنه يصادف أحيانا ما يذكر بالعائلات السلافية القديمة. ورغم أن الأبناء المتزوجين يعيشون عموما منفصلين عن أهاليهم فإن سلطة الأهل تمارس عليهم دائما، وفى حال سوء التفاهم في الأسرة تطلب مشورة كبير العائلة وتوجيهاته على مبدأ - ليحاكمنا عرقنا -. ولم يعد لتعد الزوجات وجود تقريبا, فقد كانت هذه الظاهرة قليلة حتى قبل الثورة,وحاليا تلاحق قضائيا. يمكن مصادفة مسنين قبارتاي لهم زوجتان على الأكثر ويبدي الجمهور تسامحا كبيرا نحو ظاهرة تعدد الزوجات ولكنها لم تتسع بسبب المهر (kalim‏) الباهظ الذي يجب دفعه، وبسبب أن الزوجتين لا تتفاهمان عادة على العيش في البيت نفسه. بيد أن شراكسة الساحل، وقد سكنوا بجوار المدن الروسية والقرى القوزاقية ويهتمون بالزراعة , يتخذ تعدد الزوجات
عندهم صيغة روسية (الأهِلّة من الكاتب) وهكذا ولاسيما أن الشراكسة الأغنياء يملكون تبغيات وحقولا من الذرة، يمتلكون إضافة إلى الزوجة المسلمة الشرعية المسجلة على ذمته والتي تعيش في القرية محظية علنية إلى حد ما بين العاملات الروسيات، حتى لا يقال بين الشراكسة أن مزارعي التبغ أرباب سيئون للأسرة. هذه المساكنة مع نساء روسيات تفسر بين أسباب أخرى، بسبب التجربة التي تملكها النساء الروسيات عن الحياة الاقتصادية وكذلك فلسهولة منال النساء الروسيات دور ليس أقل أهمية. ويحدث في الواقع أن يتزوج شراكسة الجبال من الروسيات , وليس فقط شراكسة السهول وفى هذه الحالة غالبا ما تعتنق الروسيات الديانة الإسلامية ((يعتنقن القانون الشركسي )) ~الأهلة من الكاتب~ ويتعلمن لغتهم، وأطفال الزوجات الروسيات، وأطفال زوجات الساكنة يحملون عموما أسماء إسلامية ويربّون على الروح الشركسية.
‏لا يتزوج الشراكسة في سن أبكر من الروس، حتى في زماننا الحاضر حيث كانت تنخفض سن الزواج في زماننا وقرانا بعد الثورة فإنها كانت ترتفع بشكل ملحوظ لدى الجبليين إلى ما بين 18 ‏- 55 ‏سنة, وفي الجبال يتزوجون أبكر بينما يتأخرون في السهول وتتزوج النساء بن 15 - 18 سنة، وفى أيامنا يتأخر زواجهن عن هذه الحدود. ويعد زواج الأخ الأصغر قبل أخيه البكر مجحفا، وزواج الأخت الصغرى قبل الكبرى هو أيضا أكثر إفقادا للاحترام.

‏وفى حال وجود الأخ الأكبر خارج القوقاز كتركيا مثلا أو روسيا يستطيع الأخ الأصغر أن يتزوج ولكن بعد أن يطلب الإذن منه. وعندما يتزوج الابن الأصغر دون إذن الأكبر يفصل من الأسرة ويحرم من كل ثروة، ولكن يدفع أهله المهر إلى أهل زوجته، وإذا تزوجت الصغرى قبل الكبرى خلافا لإرادة أهلها لعنت من قبلهم ورفضوا أن يقبلوا مهرها.

‏يمكن أن نرى في هذا التعقيد (وضع القواعد) القاسي لنظام الزواج رغبة في تثبيت زواج الأولاد الأبكار وعدم إهانة البنات كما قيل لي.

‏والزواج مقبول في أي سن لدى الجبليين ولكن لا نشهد مع ذلك زواج شاب بامرأة مسنة وإنما يتزوج الرجال المسنون بإرادتهم من نساء شابات.

وفى القبرتاي لا يثير زواج رجل مسن بامرأة شابة أي استهجان ~ فقد يحسده المسنون الآخرون - هكذا كان يشرح لي المترجم - أما شراكسة الساحل فلا يوافقون على زواج امرأة شابة برجل مسن، وعندما تتزوج امرأة شابة في القبرتاي قبل الثورة قليلا ما كان يحسب حساب إرادتها في حين كان لإرادة المخطوبة دور _ لدى الشابسوغ والبجوغ والأبراخ أكبر من دورها لدى شراكسة السهل، ومنذ قيام الثورة تحتل إرادة الفتاة دورا متزايدا. وعلى هذا لا يسجل مكتب الزواج المدني الزواج دون موافقة الفتاة، على أن هذه الموافقة تعطى غالبا فى أيامنا هذه تحت ضغط الأهل.

‏وما يزال يمارس اختطاف الخطيبات إلى أيامنا ممارسة غير قليلة، ولكن بموافقتهن، وهذا الاختطاف يجري عندما يعارض أهل الفتاة زواجها، أو بهدف تبسيط شكليات متطلبات الزواج ويحدث نادرا أن تختطف الفتاة دون موافقتها، ولكن هذا الاختطاف يجري على أمل أن الخطيبة المختطفة (لن تلطخ سمعتها أبدا) مثيرة فضيحة، وأنها ستقبل بخاطفها.
‏لم يعد يدفع المهر رسميا, وإنما سرا. ومع نلك فللمهر دلالة منذ نهاية القرن التاسع عشر، لم تكن له سابقا. يعتبر المهر عادة ثمنا للخطيبة كنا لو اشترى الرجل امرأته، ويرى فيه تعويض عن اقتصاد عاملة، في الدول البرجوازية يعطى جهاز العروس بما أن المرأة البرجوازية موضوع للنفقات , وهذه النفقات يجب أن تعوض.
‏في المدن وبين طبقات الجمهور لا مهر ولا جهاز للعروس، الرجال مثلما النساء ببساطة تامة هم عمال يكسبون وسائل عيشهم، أما عند الجبليين حيث يقبع القسط الأكبر من العمل على عاتق النساء في حين أن الرجال للحرب أو للصيد. كان طبيعيا جدا أن يدفع شيء للمرأة، ولكن المهر ليس له فقط دلالة على التعويض الممنوح إلى الأسرة عن اليد العاملة التي خسرتها، فقد كانت الأسرة تنقص في نفس الوقت بانتزاع عضو منها وانتقالها إلى أسرة أخرى هي أسرة الزوج، ولم يكن المهر يدفع إلى أهل الخطيبة فحسب، بل كان جزء منه يذهب إلى العم والجد وبقية الأهل.

‏إن عرف اختطاف الخطيبة وإخفاء المرأة الشابة خارج المنزل، ومنع ظهور الزوج معها في الشارع والمواعيد السرية للعروسين الجديدين، كل هذا يفسر بأن القبيلة كانت تعارض لن تصطحب امرأة منها إلى قبيلة لأخرى.

‏لم يكن المهر إلا وسيلة تهدف إلى تهدئة (القبيلة المهانة) ولكن فيه بعد القرن السابع عشر دلالة عظيمة، أي في العصر الذي أعتنق جبليو الغرب فيه الإسلام، فحسب الشريعة الإسلامية يستطيع الزوج أن يطلق امرأته بكل سهولة، يكفي أن يأمر زوجته بالانصراف. فلأجل ن لا يسيء الرجال استعمال حق التطليق وأن لا يستطيعوا الزواج بعد مدة قصيرة جدا كان عليهم أن يدفعوا المهر الذي كان مفيدا باعتباره ضمانا ماديا لجدية نوايا الخاطب, والذي كانت الحصة الكبرى منه تؤول إلى الخطيبة. وبهذا المهر كانت تشترى الحوائج المنزلية والمواشي للزوجة الشابة، وهذه الثروة كانت ملكية غير قابلة للنهب من قبل زوجها. وعند الطلاق كانت المرأة تأخذ كل ممتلكاتها وهو ما يسمح لها أن تحتفظ بوسائل عيشها. وهكذا تحول المهر من ثمن يدفع إلى عاملة تنتقل من منشأة اقتصادية إلى أخرى، إلى صيغة عطيّة قبل الزواج كما كان الرومان يسمونه.

‏وما يزال المهر إلى أيامنا هذه تحت هذه الصيغة، فإذا كانت الخطيبة فقيرة دفع الخاطب النقود إلى أهلها ليستطيعوا أن يشتروا لها القماش والملابس وآلة الخياطة ... الخ. مقابل أن لا تعترض الخطيبة بشيء قبل الزواج نظرا إلى أنه لا يعين على استعباد المرأة وإنما يعين على العكس , على إعطائها نوعا من الاستقلال المادي في مواجهة زوجها الذي يعمل أيضا على خلق ملكية تخصها. وقبل الثورة كانت " قائمة المهر " تتراوح بن 500 -1000 روبل.

‏ويمكن ملاحظة إحياء البنية القبلية ليس من خلال المهر فحسب بل في حلقة الأشخاص التي يقبل الزواج بينهم , فالأشخاص اللذين يحملون اللقب نفسه (اسم العائلة ) لا يمكن أن يتزاوجوا حتى لو كانوا على درجة من القرابة بعيدة بعدا غير قليل , وعندهم تسامح نسبي في الزواج من شخص ينتمي إلى جنسية غريبة ولا سيما إذا كان مسلما أو اعتنق الإسلام. وكانت الزيجات من طبقة أدنى موضع انتقاد قبل الثورة , وحاليا بما أن الطبقات العليا فقدت امتيازاتها فإن الزواج من أفرادها غير مرغوب فيه. لقد بقيت البنية والمسؤولية القبليتان ولكنهما اتخذتا صيغا أخرى. وكان زواج شخص قريب من أحد أعضاء اللجنة التنفيذية من فتاة تنتمي إلى طبقة النبلاء يتسبب في عزل هذا العضو ولكن شيئا فشيئا يحتضر التقسيم الطبقى. وبالإضافة إلى ذلك فبحسب القانون العرفي تتخذ الأمراض التناسلية بمختلف أنواعها، والصرع والأمراض العقلية والعجز سببا لمنع الزواج.

‏ويجري الزواج عن طريق شاهدين يمثلان الخاطب والمخطوبة ,يجلس هذان كل في مواجهة الآخر في المسجد في حين أن المولى (الشيخ) 0 ‏بعد أن يحصل على موافقة الخطيبة على الزواج من الشخص المتقدم إليها، يأخذ في البدء الإصبعين الكبيرتين اليمينيتين للوكيلين ويسأل:هل تقبل تزويج فلانة من فلان؟؟ فيجيب الوكيل: ~ قبلته ~ ثم يسأل وكيل الخاطب: هل قبلت فلانة زوجة؟؟ ويجيب الآخر: أقبلت.

يتكرر السؤال ثلاث مرات ثم يرخى الشيخ إصبعي الوكيلين ويصلي. ويرفع الحضور الأيدي وراحات الكفوف إلى الأعلى، ويقولون: آمين. وبعد هذه المراسم الدينية يأكل الحضور من لحوم الخراف ويشربون البوظة ((شراب كحولي مخمر: المؤلف)) ويرقصون رقصات قومية , ثم ينصرف كل إلى بيته.
 يتم الطلاق بمجرد رغبة الزوج دون أي سبب، ولا يمكن أن يقرع بناء على طلب الزوجة إلا في حال إعادتها كامل المهر المدفوع لها. ودون إعادة هذا المهر لا يمكنها طلب الطلاق إلا في حال عجز زوجها مدة سنة, أو في حال كان يعذبها.

‏ونحن ننتقل الآن من وصف كيفية إجراء الزيجات وكيفية إبطالها إلى مسألة

الواجبات الزوجية المتبادلة حسب القانون العرفي الشركسي. ويجب أن يلاحظ سلفا أن المفهوم القديم عن الشراكسة بصفتهم شعبا يترك للمرأة عبء العناية بالأسرة يبدو باليا حقا وباطلا تماما, فشراكسة اليوم ليسوا فرسان الأمس , أولئك العاكفين على غزواتهم. وليسوا اليوم أكثر من مزارعين ومربين للمواشي. وعلى الزوج يقع عبء العناية بالأسرة والرخاء العام للمنزل. وعليه أن يكسوا زوجته وأطفاله , وعليه الدفاع عنهم ضد كل شيء وكل شخص.
‏الواجبات الخاصة للزوج هي الحراثة وإستجرار الحطب من الغابة والصيد والحرب , وهو مطالب عموما بإدارة كل القضايا والاهتمام بها, والعمل الخاص بالمرأة يتمثل في الخياطة لكل أفراد الأسرة وتحضير الطعام وترتيب البيت وغسل الثياب والعمل في المخضرة (مكان صفير لزراعة الخضر) والبستان، وفي الحقول تعمل المرأة مع زوجها, ويعتمد على رأي المرأة في حل مشكلات الأسرة, و يمكنها أن تدير بكل حرية أملاكها الشخصية , ويمكن أن تبيع وتشتري من تلقاء نفسها كل شيء إلا عدة السلاح وعدة الراحلة والمواشي والأدوات الزراعية.
‏وإذا أردنا تلخيص كل ما قيل عن الواجبات المتبادلة بين الزوجين عند الأديغة وجب أن نشير إلى أن النساء الشركسيات كن بعيدات عن الخضوع التام في وصاية أزواجهن من الناحية المادية ومن ناحية الصلات الشخصية , ورغم تبعيتهن غير القليلة للزوج فإنهن لم يكن مطلقا في موقع يشبه موقع النساء الرومانيات قديما اللاتي كن إجمالا مجبرات بقسوة على إطاعة أزواجهن. إنها القبيلة التي كانت تحمي المرأة الجبلية من استبداد زوجها، فلم تكن القبيلة تعد المرأة المتزوجة قد انقطعت نهائيا عن أهلها الحقيقيين. على النقيض من ذلك عندما تعاني امرأة جبلية من حاجة مادية في أسرتها الجديدة كان عليها حسب العادات أن تتجه إلى أقربائها من جهة الأب وتطلب منهم المعونة, وهؤلاء كانوا يعدون مساعدتها واجبا عليهم, وكانت عادة تزور بعد سنة أو سنة ونصف من زواجها كل أهلها من جهة الأب الذين يسألونها عما تحتاج إليه هي وزوجها لاستثماراتهم الزراعية. ومن ثم ليس الأهل فحسب بل الأعمام والأقارب الأبعدون الآخرون يقسون لها هدية من الماشية وأدوات الاستعمال المنزلي.

مجلة إلبروز( بقلم جوزيف غاستانييه)

ترجمة : محمد وليد حافظ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق