الثلاثاء، 17 يوليو 2018

‏من هم الأبخاز


·       لمحة تاريخية:

إن تاريخ كل شعب يتكون من وقائع تفاعله وتعامله مع الشعوب المجاورة وفي هذا السياق لايشكل تاريخ الأبخاز استثناء إذ أن الأرض التي سكنوها كانت على الدوام جسرا بين القفقاس الشمالي وسواحل البحر الأسود. وكان البحر يحدد الاتجاه الثاني للعلاقات إذ كانت السفن منذ قديم الزمان تجتاز سواحله نحو آسيا الصغرىوالقرم. ولعب دورا غير قليل الأهمية لأن أساس المثلث الذي يشغله الأبخاز كان متأثرا من الجنوب الشرقي حيث يمتد طريق، جبلي تحتي اسمه الطريق الأ بخازي الذي كان يستخدمه الغزاة والتجار. هذا وقد تشكل اقتصاد سكان الأطراف وسياستهم وثقافتهم في مجرى هذه المنظومة المعقدة بما فيه الكفاية من الصلات والتي تتجاوب مع كل التغيرات الخارجية ولكل مساحة محددة من الأراضي خصائصها وآثارها الأركيولوجية والهندسية المعمارية والتي تقوم على أساس تنوعها تصورات عن الثقافات القومية وأن ارتباط الخصائص الإقليمية العريقة الطبيعية مع مجموعة أثنية حديثة ومحددة، قد انتشر انتشارا واسعا في ظروف نظام الكيانات القومية وأدى إلى أن صارت المواد والمنشآت تستخدم لتعليل حقوق هذه القومية أو تلك في السلطة على الأرض المعنية أي أن المنتجات صارت تعطي لغة محددة.


‏منذ ذلك الوقت الذي أخذ فيه الإنسان يستقر على هذه الأرض على امتداد العصر الحجري اكتسبت أهمية رئيسية تلك الطرق التي تسربت من خلالها  من الجنوب الشرقي. مجموعة بشريه وتلك المهارات في معالجة الحجر والاستيراد العريق ألا وهو الزجاج البركاني).

‏وفي العصر البرونزي صار القفقاس الغربي مقاطعة عميقة من النوع الخاص بآسيا الصغرى ضمن المجموعة الثقافية الشرق أوسطية. وكانت الطرق القفقاسية الدولية تساهم في نشر المدافن على طرفي سلسلة الجبال الرئيسية. وهي تعود إلى العصر البرونزي. في العصر الحديدي المبكر، وإلى جانب التأثيرات من آسيا الصغرى، فقد لعبت دولة أوراتو دورا حاسما في تكوين الثقافة المادية المحلية. ومنذ القرن الثامن قبل الميلاد أخذ تأثير عالم إيجة في تعاظم.



‏وعن طريق الإغريق أخذت تظهر على الشواطئ القفقاسية  المدن وكذلك الكيانات الدولية المرتبطة بها. ولغايه القرن الثالث قبل الميلاد كانت كل حياة السكان المحليين، حتى في الأودية الجبلية متشربة بعناصر من الثقافة اليونانية. ونالت أسواق ديوسكوربادا (سيفاستوبل ,الآن عاصمة جمهورية أبخازية - سوخومي) المجد العالي.

‏وتقول المصادر أنه هنا, في العصر الهلنستي (القرن الثالث  القرن الأول قبل الميلاد) عقد ممثلو العشرات من القبائل و الشعوب صفقات تجارية. وتطورت صناعة الخمور وصنع الأواني الخاصة بشرب النبيذ وعليها بصمة ديوسكوربادا كما صارت تصك النقود. وحافظ البحر الأسود على دوره الحاسم في الاقتصاد والسياسة والثقافة في أبخازيا القديمة حتى عصر السيطرة الإيرانية والعربية في كولخيدا (القرن السادس _ القرن الثامن الميلادي) مع العودة تدريجيا إلى ذاك الدور في العصر اللاحق أيضا (وصولا حتى بداية القرن العشرين).

في القرنين السادس _ الثامن اكتسبت أهمية خاصة الطرق القفقاسية الدولية من خلال المعابر الجبلية والتي بفضلها صارت أرض أبخازيا فروعأ وشعابا لطريق الحرير العظيم الذي كان يربط البحر الأبيض المتوسط مع الهند والصين. وفي مدافن ممثلي القبائل الأبخازية القديمة للأبسليين والأباسفيين تم اكتشاف الأواني المنزلية والأسلحة ومواد الألبسة الزينة والعملة وغيرها من المواد المرتبطة من حيث منشؤها بعشرات المراكز الأوربية والآسيوية والأفريقية. هذا ولعبت طرق الشعاب الجبلية دورا هاما في قيام المملكة الأبخازية الاقطاعية المبكرة عندما تدخلت في شؤون المنطقة في نهاية القرن الثامن وفي ظروف ضعف البيزنطيين مملكة الخزر التي ضمت إلى حدودها في ذاك الوقت القفقاس الشمالي

‏إن التاريخ اللاحق للمملكة الأبخازية قد ارتبط ثانية ببيزنطة التي حفزت على ازدهارها في القرن العاشر وأثرت في حياة الأقليم البعيدة تماما حتى غروبها في القرن الخامس عشر. ومنذ نهاية القرن الحادي عشر حتى أواسط القرن الثالث عشر دخلت الولاية الأبخازية الحكم الذاتي ضمن قوام (مملكة الأبخاز والكارتفيل) وفي فترة متأخرة تم ضمها قسرا  وبصورة جزئية من قبل جارتها من جهة الشرق

يتميز القرنان الرابع عشر- السابع عشر في تاريخ الأطراف ء بإحياء وتعمق الصلات بين مناطق البحر الأبيض المتوسط وقد لعبت دورا مميزا في هذا الصدد محطة جنوه التجارية على ساحل أبخازيا التي تركت أثرا عميقا في الاقتصاد المحلي والتاريخ والثقافة، وفي هذه الفترة تنتعش من جديد طرق الشعاب الجبلية التي كانت تربط المراكزالجبلية مع القفقاس الشمالي ومنطقة الفولغا (القبيلة الذهبية) وأما في سيفا ستوبل المتعددة اللغات (سوخومي المعاصرة) نشط ثانية مركز العملة وفوق المدينة رفرفت أعلام القناصل الجنوبيين ومنها علم المالك المحلي - المنديل الأحمر- بكف فضي في الوسط. وأما في الحياة اليومية المحلية فقد انتشرت على نطاق واسع عمليات استيراد المصنوعات الخزفية والزجاجية، ومنها من البندقية  والأواني المنزلية والأسلحة وأدوات الزينة وغيرها . وفي الأودية الجبلية اجتاحت العسكريين موضة منتشرة بين البحارة الأوربيين وهي وضع الأقراط (الحلقات) في الأذنين.

‏غير أن تعاظم الوجود التركي منذ نهاية القرن الخامس عشر قد أضعف ومن ثم أوقف نهائيا الصلات التقليدية مع أوروبا وكان القرن الثامن عشر هو قرن التأثيرات الأساسية على تلك الأطراف للإمبراطورية العثمانية التي استخدمت أبخازيا كرأس جسر لاحتلال القفقاس الغربي.

‏وفي هذه الفترة انتشرت بصورة واسعة الأسلحة النارية في المنطقة وكذلك الخناجر القفقاسية والتفصيلات الجديدة للألبسة مثل الباشليك (نوع من القلنسوة) وغليون التدخين  كما تأسس المطبخ الأبخازي الأصيل مع ثمار بلدان ماوراء البحار كالذرة والفاصولياه والفليفلة...

‏وبدءا من عام 1810 جرت في أبخا زيا بصورة عاصفة عملية الأ وربة  على الخصوص  عن طريق روسيا . وقد سببت الحرب القفقاسية ويلات رهيبة ومرعبة للأبخازيين ثم تلتها فترة 1866- 1877حيث اضطر عشرات الألوف من الأبخاز للنزوح إلى تركيا ومن هناك تشتتوا في أنحاء العالم وفي أماكن حرائقهم ظهرت ، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر العزب والضياع العائدة لليونانيين والبلغار والأرمن والروس والأوكرانيين والمرغيليين والألمان والأستونيين وغيرهم من النازحين الذين أضفوا سمات الاختلاط والتنوع على ثقافتي الريف والمدينة.

‏إن أبخازيا هي بلد الثقافة اللغوية الساطعة و التي تعود منابعها إلى العصر الباليوليتي الأعلى ومن سمات هذه الثقافة الميزة تلوين الجسد الطقوسي بوشمات متعددة الألوان تعود إلى المصدر الحديدي المبكر والسجود للأدغال والأشجار والحيوانات والظواهر الطبيعية وطقوس الدفن الثاني في الصناديق الحجرية والجرار والأكواز. وهي مشهورة ومعروفة من خلال آثار العصرين البرونزي والحديدي المبكر والتي انتشرت ثانية في العصر الوسيط المتأخر على شكل شنق الموتى على الأشجار وعادة إحراق جثث الموتى ودفنهم في ساحات خاصة.

‏في الوقت ذاته ، تعتبر أبخازيا بلاد المسيحية الارثوذكسية القديمة في القفقاس. فهنا في نهاية القرن الثالث عشر تتشكل طوائف المسيحيين المنفيين. واتخذ الأبخاز الديانة المسيحية  رسميا في القرن السادس في ظل الامبراطور جوستنيان حيث بنيت كنائس عديدة في المنطقتين الساحلية والجبلية.

‏وطوال الفترة ما بين القرن الرابع والقرن العاشر كانت الكنيسة الأبخازية خاضعة  إداريا لبيزنطة (القسطنطينية أنطا كية وغيرهما).

‏ثم ظهر دور الكنيسة الكاثوليكية حيث أقامت صلات كنيسة خلال الفترة ما بين القرن الثالث عشر والسابع عشر مع بيزنطة وآسيا الصغرى وسورية وفلسطين. وأما الكتابة اليونانية فكانت الهيمنة في أراضي أبخازيا حتى القرن العاشر.

‏ومنذ نهاية القرن العاشر وحتى السادس عشر أصبحت الكتابة الجيورجية مستخدمة ، بالتوازي مع اليونانية. وخلال القرنين التاسع عشر _ العشرين تجذرت الكنيسة الارثوذكسية.

‏ومما يذكر في هذا السياق  اتصال الأبخاز المبكر بالأديان العالمية الأخرى كالبوذية والإسلام. وأما اليهود فقد استوطنوا في الجبال منذ عصر الرومان واليونان. وتركز تواجدهم  في العصور الوسطى في غاغرا (القرن الحادي عشر) وسيفاستوبل _ سوخومي (القرن الرابع عشر) وارتبط أسلاف الأبخاز بالإسلام للمرة الأولى في النصف الأول من القرن الثامن. وكانت الطائفة الإسلامية متواجدة في سيفاستوبل _ سوخومي في بداية القرن الرابع عشر ومنذ نهاية القرن السادس عشر اشتد تأثير الإسلام في الأطراف. وفي القرن الثامن عشر _ بداية التاسع عشر بنيت عدة مساجد خشبية ,وفي الو‏قت ذاته كان السكان يواصلون تربية الخنازير. هذا ولايزال جزء من الأبخاز يحافظ على الشعائر الإسلامية حتى وقتنا هذا .

‏اطلع الأبخاز على ديانة الإيرانيين من عبدة النار في القرن السادس وآثارها باقية على بعض الأيقونات الحجرية من النصف الثاني من القرن السادس من تسبيلدا .





·       الأبخاز _ أهل وأقرباء لشعوب الأرض كافة

كانت علاقات الزواج اليونانية الأبخازية متطورة في العصر الهلنستي (نهاية القرن الرابع قبل الميلاد) كما توضعت أواصر القربى الأبخازية الرومانية، لاسيما في ظروف الحملات العسكرية المختلفة. ترافقت هذه العلاقات في بعض الأحيان بحملات تأديبية و مذابح جرت في طرابزون فى نهاية القرن الخامس قبل الميلاد. وأدى العنف إلى ولادة (أطفال الحرب) وصار اختطاف النساء ظاهرة اعتياديه.

‏إن العيش سوية مع الإغريق لمدة ألف ومئتي عام لم يستطع إلا أن يترك أثرا جديا في الناحية الوراثية الأبخازيه. وبما يخص جيران الأبخاز من الأ وبيخ والأديغ والميغريل الخ..)

‏ثمة صلات متنوعة وطويلة الأمد كانت قائمة بين الأبخاز والقبائل القفقاسية الشمالية، والدرجة الأولى (القرن الأول -  القرن الثاني عشر ) مع الآلانيين، أحفاد الآسنيين الحاليين.

‏ولم تختصر نتائج  الصلات الأبخازية الآلانية في انتشار الثقافة المادية (الفسيفساء والأسلحة الخ) فحسب، بل أيضا في ظهور كثرة من الهجناء وكان الفرس قد أسهموا إسهاما معينا في علم الوراثة الأبخازية في القرن السادس..

‏وخلال الأعوام الفائتة الأخيرة (ألفي عام) قطن في هذه المنطقة ممثلو العديد من اللغات والثقافات ومنهم الألمان والأرمن والعرب والخزر والترك والسلافيون والمنغول والإيطاليون واليهود. وحقر الصينيون.

‏فمثلا يعود أول تذكير عن وصول السلافيين إلى أراضي أبخازيا يعود إلى أواسط القرن السادس ثم أخذ في الازدياد ...

‏واليوم من بين الترك والعرب واليهود واليونان واليوغسلاف والايطاليين والفرنسيين والإسبان والإيرانيين والأرمن والروس والتتر. يقطن العديد من أحفاد أولئك الناس الذين قد تم نقلهم في وقت مضى من شواطئ البحر الأسود.
المصدر ( الكتاب الأبيض لأبخازيا)
ب.ف . فلورينسكي
يوري فورنوف
آ.شوتوفا
ترجمة ( تيسير كم نقش)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق