الثلاثاء، 17 يوليو 2018

الظاهر بيبرس


خمسة أدلة عقلية على شركسية الظاهر بيبرس

بدأ اهتمامي بالسلطان الظاهر بيبرس قبل سنوات قليلة

عندما بدأت عملية بحث تاريخي جغرافي ‏عن الجولان في ‏المصادر العربية الإسلامية. وقد فوجئت بكم المعلومات في ‏هذا الباب وفاجأتني أكثر علاقة السلطان الظاهر بيبرس بالجولان. وكدليل على ذلك تبين لي أن مرج برغوث الذي يقع إلى الشمال الشرقي من خان ارينبة كان مكانا منفصلا لتحشيد القوات. وان قصرالخربة ( خربة اللصوص) الملكي الذي بناه الملك العادل شقيق صلاح الدين في فيق جنوب الجولان كان مقرا للسلطان الظاهر بيبرس حيث تشير بعض الأخبار إلى إقامته هناك فترات طويلة كانت على الأرجح فترات استعداد لحروب وفتوحات جديدة , إذ كانت مراعي الجولان مكانا مثاليا للخيول حتى تستعيد لياقتها طوال فصلي الربيع وربما ‏الصيف استعدادا للمعارك طويلة الأمد.



وبالإضافة إلى هذا وذاك، كان لافتا أن يكون من بين أوقاف المدرسة الظاهرية التي بناها الملك السعيد ابن السلطان الظاهر بيبرس في دمشق أربع قرى تقع في الجولان هي حصص في ‏القنيطرة وقرية الصرمان بكاملها وقرية فزارة وقرية كفر عاقب التي تقع في منطقة البطيحة وتعرف اليوم باسم الدوكة. هذا إذا تجاوزنا الحديث عن الآثار التي تركها في الجولان مثل قلعة الصبيبة التي أعاد بناءها بعد أن دمرها المغول وحولوها إلى ركام من الحجارة، والمسجد الأبلق في بانياس والجسر الذي يوصل إلى القلعة، ولا تزال حتى الآن كتابات تخليد هذه الأبنية شاهدة على ذلك إضافة إلى تمثال الأسد الخاص بالسلطان الظاهر، والذي نجد نسخا منه في أكثر من مكان في الجولان من الجنوب إلى الشمال.

‏وقد أعيد الاعتبار في السنوات الأخيرة لهذا السلطان الذي ظلمته المصادر الغربية، ووصفته بالسفاك للدماء والغدار

وما إلى ذلك من صفات سببها موقفه الجذري من المغول والصليبيين، وتقويضه لتوسعهم ومواصلته قتالهم حتى آخر يوم عاشه، ولم تسعفه الحياة فقد فارق هذه الدنيا مسموما على الأرجح في السابعة والخمسين وربما في الستين من عمره على ابعد تقدير، بعد أن قضى على الخطر المغولي بشكل نهائي، وحصر الصليبيين في ساحل ضيق تمهيدا لطردهم نهائيا من بلادنا، وهو ما تحقق فيما بعد لأحد أبناء السلطان قلاوون بعد سنوات ليست بالطويلة.

‏ولكن إعادة الاعتبار هذه عبر مسلسلين شاهدناهما على الشاشات العربية لم تكن موفقة في كثير من المواضع وخصوصا المسلسل المصري.

‏ما أثار استغرابي الشديد أن المسلسل المصري اخترع قصة للسلطان الظاهر بيبرس لا أساس لها من الواقع، وربطه بكازاخستان وبالمغول، وجعله ابنا لأحد أمراء القبيلة الذهبية

المغولية واخترع له والدا وما إلى ذلك.



‏تبدأ حلقات المسلسل المصري في جنوب كازاخستان التي شهدت ولادة بيبرس، وفق المسلسل، كأمير في القبيلة الذهبية التي تحكم الجنوب الكازاخستاني، ومراحل إسلام القبيلة الذهبية على يد قائدها ببركخان (بركة خان) الذي تأثر بالإسلام من خلال تعامله مع التجار المسلمين الذي قصدوا قبيلته للتجارة، خاصة التاجر عبد السميع . محمود العربي . الذي كان ينشر الدعوة الإسلامية من خلال تعاملاته التجارية مع تجار القبيلة.

‏ويلقي المسلسل الضوء على نشأة بيبرس يجذ المنطقة الجبلية وعشقه للخيل وللفروسية، وتعلقه بوالده جمك بربك .ياسر جلال . احد أمراء القبيلة، الذي قرر تغيير اسم ابنه بعد إشهار إسلامه من بيبرس إلى محمود ثم حبه للطفلة آشتي التي عاشت معه طفولته، وكل هذه الوقائع مختلقة.

‏وتتوالى الأحداث إلى أن يهاجم التتار القبيلة لقتل رجالها وخطف النساء والأطفال، ويتم خطف الطفل محمود وبيعه في سوق العبيد، ثم تعرفه على المملوك شاهين . محمود الجندي . الذي قرر تغيير اسمه من المملوك محمود إلى المملوك بيبرس ثم توليه تدريبه على فنون القتال إلى أن أصبح من ابرز الفرسان في فنون الحرب والقتال.

‏وينتقل بيبرس . الذي يجسد شخصيته الفنان ياسر جلال . إلى مصر ليصبح من رجال عز الدين أيبك أحد قادة جيش الملك الصالح نجم الدين أيوب زوج شجرة الدر.وفاء عامر. الذي توفي أثناء الحرب، وأخفت شجرة الدر خبر وفاته عن الجنود حتى لا يفت ذلك في عضدهم أثناء الحرب. وأدارت شجرة الدر الحرب، وبعد النصر أعلنت وفاة الملك، وتزوجت بقائد الجيش الأول عز الدين أيبك الذي قتلته بعد علمها بزواجه من امرأة أخرى، وبعد فترة قتلت شجرة الدر لتصبح مصر دون ملك، وهو ما شجع التتار على غزوها لاحتلالها إلا أن بيبرس تصدى لهم على بوابة مصر. وبعد عودة بيبرس منتصرا إلى مصر، رفعه المصريون على العرش وجعلوه ملكا عليهم، وبعدها بدأ رحلة البحث عن أسرته حيث اكتشف أن التتار قتلوا والده ووالدته وان حبيبته من الطفولة آشتي . بثينة رشوان.لا تزال مخلصة له وفي انتظار عودته، فقرر الزواج بها.

‏إن ما يدعر إلى الدهشة أن الرئيس الكازاخي تحمس لهذه الشخصية التي اكتشف أنها تنتمي لبلاده وقرر إنتاج فيلم لبطل كازاخستان القومي بيبرس وكلف وزير ثقافة بلاده بزيارة سورية للاتفاق على إنجاز الفيلم الضخم، كما قررت الحكومة الكازاخية ترميم مدرسة الظاهر بيبرس في دمشق التي تسمى اليوم المكتبة الظاهرية والعناية بها.

‏هذه المغالطات التاريخية والجغرافية هي التي دفعتني إلى توضيح أن الظاهر بيبرس لم يكن مغوليا، بل هو في قناعتي شركسي، ولدي من الأدلة العقلية خمسة أدلة نظرا لعدم وجود دليل دامغ حول انتماء بيبرس إلى شعب ما أو منطقة ما.


اضغط لتكبيـر الصورة

·        غموض مصطلح الترك

‏بداية ينبغي الانتباه إلى أن مصطلح الترك الذي نسب كاتب سيرة الظاهر بيبرس وأمين سره ابن عبد الظاهر إليه لا يعني المصطلح الذي نتداوله اليوم، فعندما يقول كاتب السيرة إن السلطان كان تركيا بحكم مولده يقصد طيفا واسعا من الشعوب يقع الشراكسة ضمنهم.

‏ففي ذلك الزمن كان مصلح الترك يضم عددا كبيرا من الشعوب مثل المغول والخزر والخوارزميين والتركمان والقبجاق والروس والبلغار والمجر والهون وشعوب شمال القفقاس بمن فيهم الشركس. وحتى زمن بيبرس لم يكن اسم الجركس مستعملا في التعبير عن هذا الشعب، وكانت هناك تسميات أخرى مثل شعب الكبكز الذي ذكره الجغرافي المغربي ابن سعيد وقال إنه شعب مسلم يسكن جبل الكبكز أي القفقاس.

‏وقد بدا اسم الجركس بالظهور للتعبير عن هذا الشعب في مطلع القرن الثامن الهجري أي بعد وفاة بيبرس بخمسين سنة ربما ، عندما تحدث ابن فضل الله العمري في موسوعة مسالك الأبصار عن الجركس بصفتهم شعب من الترك الواقعين ضمن مملكة القبجاق.

‏وعليه فإن الحديث المختصر عن أصل السلطان بأنه من الترك يبدو مفهوما والحال كذلك، فمن سيفهم _ ذلك الزمن مصطلح الجركس أو الأديغه إن كان المصطلح العام معروفا أي الترك، ولدينا في العصر الحديث مثل حي على حالة مشابهة، فالعرب الذين هاجروا إلى أمريكة اللاتينية ما زالوا حتى اليوم يسمون أتراكا لأنهم هاجروا أثناء السلطنة العثمانية وبأوراق صادرة عن تركيا.

‏ثم :ن الظاهر بيبرس باعتباره مسلما عقائديا لم يكن يعني له كثيرا كونه شركسيا أو تركيا، فالشعور الإسلامي الأممي كان مسيطرا عليه إلى أبعد الحدود، وشغله الشاغل كان قتال المغول والصليبيين والأرمن، ولذلك طلب من كاتب سيرته ابن عبد الظاهر الاكتفاء بمصطلح تركي بحكم الولادة. ولا نحتاج إلى أدلة كثيرة كي نثبت صدق عقيدة بيبرس فكل صفحة من سيرته تشير إلى ذلك، ومنها انه تعرض لمحاولة اغتيال وهو يؤدي صلاة الفجر التي كان يحرص عليها حتى في المعارك، وانه أدى فريضة الحج، رغم الوضع الذي يمكن أن يعفيه منها كما حدث لصلاح الدين الذي لم يؤد هذه الفريضة طوال حياته، ومنها انه كان حازما في منع الخمور والحشيش في السلطنة، وفي إحدى المرات عاقب بالإعدام بعض المتعاطين. وكان يحترم رجال الدين ويمتثل لأوامرهم وغير ذلك كثير.



·        رواية بي ساري

‏وطبقا لرواية الأمير بدر الدين بي ساري الشمسي وهو من القبيلة نفسها التي ينتمي إليها بيبرس وخطف معه، فإنه وبيبرس ولدا في ارض القفجاق، وأرض القفجاق مصطلح قديم (ديشت أي قفجاق) يعبر عن الأرض الممتدة من جنوب أوكرانيا الحالية وحتى  كازخستان بما في ذلك جبال القفقاس. ولم يقل الأمير بي ساري في  روايته التي ينقلها عنه ابن شداد في سيرة السلطان الظاهر إنه قفجاقي بل قال إنه ولد في  ارض القفجاق بالحرف الواحد.

‏والنص هو التالي كما يرد عند ابن تغري بردي في ترجمته لبيبرس: "وقال الشيخ عز الدين عمر بن علي بن إبراهيم بن شداد: اخبرني الأمير بدر الدين بي سري الشمسي أن مولد الملك الظاهر بأرض القبجاق سنة خمس وعشرين وستمائة تقريبا. وسبب انتقاله من وطنه إلى البلاد أن التتار لما أزمعوا على قصد بلادهم سنة تسع وثلاثين وستمائة، وبلغهم ذلك، كاتبوا أنس خان ملك أولاق أن يعبروا بحر سوداق إليه ليجيرهم من التتار، فأجابهم إلى ذلك وأنزلهم واديا بين جبلين، وكان عبورهم إليه في سنة أربعين وستمائة، فلما اطمأن بهم المقام غدر بهم وشن الغارة عليهم، فقتل منهم وسبى. قال بي سوي: وكنت أنا والملك الظاهر فيمن أسر، قال: وكان عمره إذ ذاك أربع عشرة سنة تقديرا ، فبيع فيمن بيع وحمل إلى سيواس، ثم افترقنا واجتمعنا في حلب في خان ابن قليج ثم افترقنا، فاتفق أن حمل إلى القاهرة فبيع إلى الأمير علاء الدين أيدكين البندقداري وبقي في  يده إلى ان انتقل عنه بالقبض عليه في جملة ما استرجعه الملك الصالح نجم الدين أيوب منه، وذلك في شوال سنة أربع وأربعين وستمائة. قلت: وهذا القول مطابق لقولنا الذي ذكرناه. قال: ثم قدمه الملك الصالح على طائفة الجمدارية. انتهى " .

‏من هذا النص يمكن أن نستخلص عدة حقائق دامغة، منها ان لقب التركماني الذي لحق بالسلطان الظاهر بيبرس لدى بعض الرواة مأخوذ من أستاذه علاء الدين أيدكين البندقداري التركماني والتركماني هنا عائدة على أستاذه وليس عليه.

‏والحقيقة الثانية أن موقع ولادة بيبرس لم يكن في كازاخستان بل في شمالي غرب القفقاس في منطقة كانت حتى القرن السابع عشر شركسية الطابع، وسبب تحديدنا هذا الموقع أن مدينة سوداق القديمة هذه هي نفسها المدينة الشركسية تسه مز، وتقع على شاطئ البحر الأسود قرب مضيق كيريش الذي يؤدي إلى شبه جزيرة القرم التي كان يحكمها انس خان التركماني وقد نجحت قبيلة بيبرس بالعبور إلى القوم لكن أنس خان غدر بهم وقتل من قتل وساق الباقي إلى الأسر فالرق.



‏وعليه من المستحيل أن تعبر قبيلة كاملة آلاف الكيلومترات هربا من المغول فالأسهل والأمر كذلك أن تفر عبر إيران وليس عبر البحر الأسود. وفي أكبر التقديرات لا تستطيع قبيلة أن تهرب في ظروف حرب شاملة أكثر من بضعة كيلومترات أو عشرات الكيلومترات على ابعد تقدير، وعليه فقبيلة الظاهر بيبرس كانت تتواجد في شمال غرب القفقاس حتما وقرب المدينة الشركسية القديمة أنابا  تخمينا ، وقد اختارت الحل الأقرب والأسرع وهو أنس خان لكنه أفناها على بكرة أبيها.



·        بيبرس اسم جركسي

 كان هذا دليلنا الجغرافي على أن بيبرس ولد في منطقة شركسية، اما دليلنا الثالث فهو يتعلق باسم بيبرس، فهذا الاسم لا يسميه أي شعب آخر وهو اسم شركسي مائة بالمائة رغم محاولات تفسيره باللغة التركية وهو باي بارس أي أمير فهد، كما يقول ابن تغري بردي، ولكن صفة بأي حسب اللغة التركية يجب أن تتلو البارس أي يجب أن يكون الاسم بارس باي. أما الاسم بيبرس فلا حاجة إلى شرح معناه بصيغته هذه باللغة الشركسية لان معناه الواقف أو المتصدي أو المجابه للعدو. وقد وجدت أن أفضل ترجمة عربية للاسم هي الظاهر للعدو. وهو اللقب الذي تكنى به بيبرس عندما أصبح سلطانا. وعليه لا أعتقد أن اختياره للاسم كان اعتباطيا بل كان يعبر عن فهمه لاسمه بالشركسية. وهنا أجد أن صفاته الشخصية التي وصفه بها أمين سره ابن عبد الظاهر تتكامل مع هذا الكلام، فالسلطان كان طويل القامة، عريض المنكبين، قوي الصوت، أشقر الشعر، ذا عيون زرقاء، بشرته سمراء أو حمراء. هذه صفات ليست تركية بل نجد الكثير من الشراكس يتمتعون بها حتى اليوم.



·        لم يكن يتقن التركية جيداً!

‏لدينا الآن الدليل الرابع والذي ورد عند ابن عبد الظاهر وعند ابن واصل في كتابه المفرج، وهو أن السلطان كان يستخدم ترجمانا ليشرح للأمراء وجهة نظره في بعض القضايا أو خلال المحاكمات.

‏ونحن نعلم أن اللغة الرسمية في الجيش كانت التركية إلى جانب العربية، وهذا موروث من أيام السلاجقة، وقد حافظت الدولة الأيوبية عليه نظرا لكثافة العنصر التركي في القوات الإسلامية على مر العصور. ولكن بيبرس كان يستخدم ترجمانا في بعض الأحيان ليشرح لأمراء الجيش وجهة نظره كما يقول ابن واصل.

‏وهنا احتمالان لا ثالث لهما: إما أن بيبرس كان لا يفهم العربية بشكل جيد ويفهم التركية فقط، أو أنه لا يفهم التركية بشكل جيد ويفهم العربية جيدا.

‏ففي الاحتمال الأول أي إن كان يتقن التركية تنتفي حاجته إلى ترجمان نظرا لان الأمراء، يتكلمون التركية حتما، أما إن كان يتقن القليل من التركية فحاجته إلى الترجمان تغدو هنا منطقية. خصوصا إذا عرفنا انه كان يجيد العربية ويقروها ويجادل في  الأمور الفقهية ولديه إلمام بالتاريخ وكان يختلي بشيوخ مسلمين لا يتحدثون لغة سوى العربية.

‏إذن لم يكن بيبرس يتقن التركية أو ربما كان يعرف شيئا منها ، وهذا دليل آخر على انه ينحدر من إثنية أخرى هي الإثنية الشركسية حتما إذ ا أخذنا بنظر الاعتبار الأدلة العقلية السابقة حول معنى مصطلح الترك وحول الموقع الجغرافي ثم معنى اسمه وصفاته الخلقية.

·        ‏شهادة برقوق

‏لدينا الآن الدليل الخامس وهو شهادة من السلطان الظاهر برقوق في إحدى رسائله لتيمورلنك حيث يشير صراحة إلى أن من انتصر في معركة عين جالوت هم سلاطين الشراكسة ونحن نعلم أن ثلاثة سلاطين شاركوا في عين جالوت أبرزهم الظاهر بيبرس صاحب خطة الهجوم وقائد المعركة، والسلطان قطز الذي يقال إنه خوارزمي والسلطان سيف الدين قالاوون الذي لا يوجد أيضا قول حاسم لجهة أصله وينسب مثل بيبرس إلى القفجاق!

‏يقول السلطان الظاهر برقوق لتيمورلنك ما يلي:

‏"واما طلبك منا السلطان أحمد الحلايري غير مرة، فقد علمناه. ولكن عرفنا يا أمير تيمور إيش عمل بك ؟ حتى حلفت له عدة مرارا بإيمان الله تعالى العظيمة وأعطيته العهود والمواثيق بأنك ما تتعرض إليه ولا إلى مملكته ولا توافيه ولا تشوش عليه، حتى اطمأن بأيمانك، وركن إليك، وأحسن ظنه فيك، ووثق بك، واعتمد عليك فخنته وغدرته، واتيته بغتة على حين غفلة وبدرته: وأخذت مملكته وبلاده،. وأمواله وأولاده. وأعظم من ذلك أنك أخذت أيضا حريمه وهن في عقد نكاحه وعصمته وأعطيتهن لغيره، وقد نطق الكتاب والسنة بتحريم ذلك وعظم ذنب فاعله وقبيح جرمه: ففي أي مذهب من المذاهب يحل لك أخذ حريم المسلمين، وإعطاؤهن لغير أزواجهن من المفسدين الظالمين ؟ ‏وهن في عصمة أزواجهن وعقد نكاحهن إن هذا لهو البلاء المبين؟ وكيف تدعي أنك مسلم وتفعل هذه الفعال ؟ ‏عرفنا في أي مذهب لك هذا حلال؟ فأعمالك هذه كلها منافية لدعواك، بل منافية لدين الإسلام، وشرع سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام. قال الله تعالى: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" وقال: "ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الظالمون" وقال: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون" وقال عز وجل: "ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه" وقد بين لنا الخير والشر، والحلال والحرام وأهلها فقال: "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي" وقال تعالى: "ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة ومقتا و ساء سبيلا"وقال تعالى: "قد افلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)). وقال عليه السلام: ((المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه)). ففي أي مذهب من دين الإسلام تستحل هذه المحرمات العظيمة، والمنكرات القبيحة الشنيعة الجسيمة، التي يهتز لها العرش ويغضب الله عز وجل لها ورسله والملائكة والناس أجمعون ؟ ‏وما كفى ما فعلت مع القان أحمد المشار إليه حتى تطلبه منا ؟ ‏اعلم أن القان احمد المشار إليه قد استجار بنا وقصدنا، وصار ضيفنا: وقد ورد: من قصدنا وجب حقه علينا. وقال تعالى لسيد الخلق أجمعين في حق الكفار الذي هم أنحس الناس: ( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم ابلغه مأمنه" فكيف بالمسلمين إذ ا استجاروا بالمسلمين؟ كيف بالملوك أبناء ملوك المسلمين، الذين لأسلافهم الكرام معنا ومع ملوك الإسلام خدام الحرمين الشريفين صحبة ومحبة وأخوة في الله تعالى ؟ ‏ولو لم يكن ذلك كيف يجوز في شرع المروءة والنخوة الوفاء أن نسلم ضيفنا ونزيلنا والمستجير بنا ؟ ‏خصوصا وجنسنا جركس جنس ملوك الإسلام السالفين، خدام الحرمين الشريفين الذين اتفق لهم مع التتار ما تشهد به التواريخ، ومن عادتنا وشاننا وطباع جنسنا أننا لا نسلم ضيفنا ولا نزيلنا ولا من استجار بنا لأحد. وإن كنت ما تصدق ذلك فعندك من هم من جنسنا ، سلهم يعرفوك، فنحن لا يضام لنا نزيل، ونقري الضيف ونعامله بالجميل، وهذه جبلتنا الغريزية وعادة أصلنا الأصيل؟ فإرسال القان أحمد إليك أمر مستحيل

‏إنا ذوو الفضل الغزير الوارف

أبوابنا هي ملجأ للخائف

 نقري الضيوف ولا يضام نزيلنا

 شيم ورثنا فضلها عن سالف

‏وكليمة تكفي الذي هوعاقل،

‏والرمز تصريحاً غدا للعارف".

إلى آخر الرسالة ولا تعليق عليها نظرا لوضوحها.

                                                                   من مجلة إلبروز( تيسير خلف)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق