الأحد، 15 يوليو 2018

القرشاي


بطاقة تعريف بالقرشاي



قبل إلإبحار في رحلتنا اللغوية لاستكشاف لغة القرشاي نرى أنه من الواجب أن نقدم لمحة سريعة عن متكلمي هذه اللغة، إلى أي عرق ينتمون؟ أين يسكنون؟ ما هي مميزاتهم؟ إلى أية عائلة لغوية تنتسب لغة القرشاي؟ ما هي خصائصها ومميزاتها؟ ...الخ.

‏المصطلح عليه اليوم بين العلماء أن القرشاي ولغتهم ينتمون إلى عائلة اللغات التركية. إلا أن هذا الرأي غير دقيق، وهو مجرد فرضية تنقصها الكثير من الأدلة، فمجرد وجود تشابه لغوي بين القرشية واللغات التركية والأذربيجانية والقازاقية والقرغيرية والتترية... الخ. لا يدل على وحدة الأصول الاثنية لهذه الشعوب.



‏فمجرد وجود كم معين من الكلمات المتشابهة، وتشابه طرق الاشتقاق اللغوي غير كاف بالحكم على وحدة هذه الشعوب وانفصالها عن أصل مشترك، اللغة التركية الحالية 40 ‏% منها جذور عربية، ومع ذلك لم يقل أحد أن الاتراك عرب، والكثير من قوميات روسيا الاتحادية .ضاعت لغاتها القومية وهي تتكلم اليوم اللغة الروسية، ولكن هذا لا يعني أنهم والشعب الروسي انفصلوا عن أصل مشترك واحد.

فالقرشاي يختلفون عن بقية الشعوب الناطقة بالتركية بكل شيء! العادات-  التقاليد -  التكوين النفسي والجسدي - العلاقات الاجتماعية - الأساطير - الملابس - الفنون ...الخ.

فالذين يتكلمون لهجات تركية، والتي يدعي البعض من العلماء أنهم انفصلوا عن أصل مشترك واحد، يوجد بينهم اصحاب البشرة السمراء القاتمة، وأصحاب السحنة الصفراء الفاقعه ذو العيون المغولية، وأصحاب السحنة البيضاء ذو العيون المائلة، وأصحاب الوجوه المستطيلة والوجوه المدورة والوجوه المفلطحة ...الخ.

‏والقول بعد هذا .ان هذه الاجناس البشرية تنتسب إلى أصل مشترك واحد مغالطلة واضحة.

والقول بإن القرشاي ينتسب إلى ذات الأصل قول لا يصمد أمام النقد لنستمع إلى بعض ما قاله العلماء والباحثون الذين زاروا القرشاي وكتبوا عنهم، لنتعرف على صفات القرشاي الجسدية.

يقول الرحالة الفرنسي "أجان شرد ان ": إن القرشاي هم أجمل شعوب الأرض.

ويقول الأكاديمي الألماني "هنري كلا بروت"، الذي كلفته الحكومة الروسية بكتابة تاريخ القفقاس عن القرشاي ما يلي:

‏((ينتمي القرشاي إلى أجمل سكان القفقاس، لهم أجسام متناسقة جدا وقسمات وجوههم دقيقة، ويزيدها جمالا العينان السوداوان الكبيرتان والبشرة البيضاء، ولا يوجد بينهم إطلاقا أشخاص بوجوه مفلطحة وعريضة وعيون غائرة ومائلة، وهذا برهان على عدم اختلاطهم بالمغول، وهم بصفاتهم هذه لا يذكرونك بالتتارالرحل)).

‏نكتفي بهذين الشاهدين لأننا لا نسعى إلى تراكم كمي بالشواهد، ونستطيع أن نجزم بنا، على أقوال الباحثين, بل بناء على مقارنة القرشاي الحاليين بأنهم لا يمتون لبقية الشعوب التركية بأية صلة عرقية، ويختلفون معهم بكل شي، ومن جميع النواحي، أما القول بأن لغة القرشاي هي إحدى لهجات العائلة التركية فهو شيء أخر، ولكن حتى هذه النقطة غير دقيقة، فلغة القرشاي ليست إحدى لهجات العائلة اللغوية التركية بل أم لكل اللهجات التركية جميعا، لغة القرشاي لغة أصلها قائمة بذاتها ، وقد غزت لغات جيرانها المسمون اليوم بالشعوب التركية وأثرت فيهم وكادت أن تقضي على لغاتهم البدائية، تماما كما تفعل اللغة الروسية اليوم في القفقاس، فمعظم القفقاسيين يخلطون لغاتهم بالمفردات الروسية، بل ويصرفون كلماتهم حسب قواعد اللغة الروسية. وبعد مئة عام لن تبقى لغة قومية واحدة وستحل الروسية مكانها . فهل نعتبر أن القفقاسيين والروس يمتون لاصل مشترك؟ واللغة الفارسية اليوم، تشكل المفردات العربية أكثر من 50 ‏% من قاموسها فهل نعتبرهم عربأ .

الصحيح من الوجهة التاريخية ان تسمى هذه العائلة اللغوية التركية بالعائلة القرشية لأنها هي الأم التي تفرعت بقية اللهجات عنها ومن يرفض هذا الطرح ما عليه سوى تقسيم لغة القرشاي إلى جداول حسب موضوعاتها ومفردات النار – مفردات الرعي – مفردات الزراعة – مفردات العلوم  - أسماء الحيوانات - أسماء الملا سر - تقسيمات الزمن ...الخ.

‏ثم ماعليه إلا مقارنة لغة القرشاي بباقي اللغات التركية ليكتشف مقدار تفوق هذه اللغة الصغيرة على تلك اللغات التي يتكلمها /250 ‏/ مليون إنسان في العالم! .

وبهذا الصدد يقول الباحث الروسي المختص باللغات التركية البرو فيسور



بارا فكوف : إن لغة القرشاي- بلقار لغة صغيرة لكنها مثل الذهب، وعلى من يود كتابة تاريخ الأمم التركية أن يتعلم هذه اللغة أولا.

‏وهناك شواهد ميدانية ما زالت قائمة حتى الآن، وعلى سبيل المثال كلمة(جكت)‏التي تعني شجاع و التي انتشرت في القفقاس كله، بل دخلت اللغة الروسية أيضأ، هذه الكلمة يعتبرونها من التركية.ولكن من قال هذا الكلام نسي او تناسي ان اللغات التركية في القفقاس كالأتراك - والنوغاي والتتر إلخ تخلو لغاتهم من حرف الجيم، فكيف تكون هذه الكلمة منهم؟ لانها كلمة قرشية واضحة وليس بحاجة لجدال. فكيف انتشرت في القفقاس وروسيا إذا لم تكن لغة القرشاي ذات نفوذ في تلك المنطقة؟.

وهناك كلمة (كلوج ) الروسية والتي تعني مفتاح، وهي كلمة قرشية وتلفظ قلج وتعني سيف، ولا توجد قومية تركية تستطيع أن تدعي انها كانت تغلق الباب بالسيف!! القرشاي وحدهم كانوا حتى وقت قريب يغلقون أبوابهم بوضع السيف خلف الباب، فالسيف كان بالنسبة للقرشاي مفتاحا يغلق به الباب ويفتحه، بينما بقية القوميات التركية لم تكن أصلا تسكن في بيوت مبينه بل كانت قبائل رحل. فكيف انتقلت هذه الكلمة للروسية؟ ومن أية لغة؟

‏ولدى شعب اللاك توجد كلمة (إرخو‏) وتعني مطر غزير، وبالقرشية (إرخى )و تعني سيل، واللاك يقيمون في داغستان وشعب القوموق هو أقرب الشعوب التركية إليهم، ولكن هذه الكلمة غير موجودة بلغة القوموق! .

‏وفي لغة شعب الطاط الذي يقيم في أذربيجان التركية اللسان، توجد كلمة (سورت ) وتعني سفح الجبل، وبالقرشية( صرت )تعني سفح الجبل وكلمة( جق) تعني الندى، وبالقرشية جق تعني الندى.

‏ولكن هاتين الكلمتين غير موجودتين باللغة الأذربيجانية، وهي كلمات قرشية بحتة، فمن أين حصل اللاك والطاط على هذه الكلمات القرشية إذا لم تكن هذه اللغة لغة قائمة بذاتها ومنتشرة على أصقاع واسعة وذلك قبل أن تجتاح الغزوات الطورانية التركية منطقة القفقاس ؟ وسكان منطقة ماري الروسية التي لا تجاور أيأ من الشعوب التركية .

فمن أين حصل الماريون الروس على هذه الكلمات القرشية؟ أقول القرشية وليس التركية، فإذا أصر أحدهم على القول إنها من اللهجات التركية الأخرى ولا علاقة للقرشية بها وقد قيل لي مثل هذا القول فعلا.



‏أقدم لهم الأدلة اللغوية الحاسمة على صحة افتراضي وخطأ افتراضاتهم فكلمة صوقر، والتي تعني أعمى باللغتين القرشية والمارية غير موجودة في بقية اللغات التركية! التي أطلقت عليها آسماء مختلفة، وعلى سبيل المثال :

بالتركية( كور)بالاذربيجانية كور، بالبا شكيريه (كوزسيز ) بالقازاخستانية كور، بالقرغيزية كور، بالاوزبكية كور، بالتركمانية كور، بالايغورية كور، وبالنوغائية كور، وبالتترية كوزسيز، ولها لفظ آخر يطابق اللفظ القرشي وهوصوقر.

‏وهذا شاهد لا يرد، على أن شعب ماري أخذ هذه الكلمة من القرشاي، وهذه الكلمة غير موجودة لدى بقية القوميات التركية، والتتر، بما أنهم غزوا القفقاس وجاوروا القرشاي، أخذاو منهم كلمة (صوقر)علما بأنهم كانوا يلفظونها كوزسيز، وهذا شاهد قوي على أن هذه الكلمات كانت تنتشر من لغة القرشاي وليست من لغات القوميات التركية الاخرى.

‏طبعا لدينا الكثير جدا من الأمثلة التي ليس هنا مكانها وهي بحاجة لعمل خاص لذا نكتفي بهذا القدر، وهو كاف لترسيخ افتراضنا أن القرشاي لا علاقة لهم ببقية الشعوب التركية لا من الناحية العرقية ولا من الناحية اللغوية إلا كعلاقة الانكليز بإفريقيا وعلاقة الروس بالقفقاس وعلاقة العرب بالفرس، فلغات هذه الشعوب انتشرت عن طريق التأثير الحضاري إلى مناطق بعيدة ومثلها تماما لغة القرشاي التي انتشرت بين شعوب نسيت لغاتها الأم وهذا يعني أنهم من نفس الأرومة العرقية.

والوثائق التاريخية تثبت أن لغة القرشاي- كانت لغة دولية في منطقة القفقاس، ولكن نظرا لتشابه هده اللغة مع اللغة التترية، كان يطلق عليها اللغة التترية.

‏وقد جاء في وثيقة هي عبارة عن بيان روسي موجه لأحد أمراء الشراكسة إن هذا البيان كتب باللغتين الروسية والتترية وهذا يعني أن سكان القفقاس كانوا يعرفون اللغة التترية جيدا وقد كانت لغة التجارة والعلم والدبلوماسية.

‏ولكن التتر ليسوا شعبأ ذا؟ حضارة، وهم لم يجلبوا معهم إلى القفقاس إلا الموت والدمار، لم يفتحوا مدرسة أو يبنوا مكتبةواحدة.

‏فكيف استطاعوا فرض لغتهم على القفقاس؟ وبأية لغة كان يتكلم القفقاسيون كلغة مشتركة قبل قدوم التتر بالقرن الثالث عشر!؟.



‏نحن نقول إنها لغة القرشاي الفنية بكل المفردات التي تحيط بجميع مستلزمات الناس الحضارية في تلك الأزمنة، وليست التترية.

‏يقول الرحالة الألماني الأمير"شلتبرغر"، الذي زار القفقاس بأعوام 1461-1414 ‏: إن قساوسة المنطقة (القفقاس) لا يعرفون اللاتينية وهم ينشدون ويرتلون باللغة التترية، والناس يتركون الشامانية ويدخلون بالمسيحية.

ويقول أيضا : إن القساوسة ينشرون المسيحية بين الشعوب الجبلية. ‏وهذا يعني أن سكان الجبال كانوا يتحدثون عما يسميه المؤرخون اللغة التترية قبل وصول التتر المعروفين إلى القفقاس. بفترة قصيرة جدا

‏فالفترة الفاصلة بين احتلال التتر للقفقاس وزيارة "شلتبرغر" لا تتجاوز ال 80  ‏سنة، وهي فترة غير كافية لتصبح اللغة التترية لغة أهل الجبال التي يتخاطبون بها ويرتلون بها أناشيدهم الدينية ولكن بما أن القفقاس في تلك الفترة كان تحت الاحتلال التتري لذا ، فقد اعتبر المؤرخون الذين جاؤوا للقفقاس في تلك الفترة كل اللغات القريبة من اللغة التترية اعتبروها تترية، وعلى منوالهم ونقلا عنهم سار المؤرخون الذين جاؤوا فيما بعد. ‏

والنقطة الثانية التي أود التعليق عليها هي قول شلتبرغر إن القساوسة ينشرون تعاليمهم بين الشعوب الجبلية باللغة التترية.

فالمعروف لجميع من لهم إلمام بالتاريخ، أن التتر كانوا يسكنون السهول وهم لم يسكنوا الجبال أبدأ، لأنها بالأصل لا تتناسب مع طبيعتهم البدوية المترحلة دوما .

‏والنقطة الثالثة هي: إن التتر والمغول كانوا قد اعتنقوا الإسلام برمتهم بعهد "اوزبك خان" وذلك عام 1321 - 1343 ‏م.

‏وبذلك يظهر تمامأ أن القساوسة لا ينشرون المسيحية بين التتر المعروفين

‏للأسباب التالية:

‏1 - التتر اعتنقوا الإسلام قبل مجيء الرحالة شلتبرغ ب 160 عام على الأقل.

2 ‏- التتر لم يسكنوا الجبال.

3 - التتر ليسوا شعبا حضاريا حتى يستطيعوا فرض لغتهم حتى على سكان الجبال وبالتالي، فاللغة التترية المقصودة ليست تلك التي كان يتكلمها الغزاة، واللغة التترية التي كانت سائدة كلغة دولية في القفقاس ليست لغة التتر الغزاة بل لغة القرشاي- بلقار.

‏وقد تنبه المؤرخ الروسي "اى- ب- كوفاليفسكي" لهذه النقطة منذ وقت طويل حيث يقول: معروف لدى الباحثين أنه حتى بدايات القرن التاسع عشر كانوا يطلقون على القرشاي- بلقار اسم التتر.

‏وهذا شاهد على أن ما كان يسميه العلماء باللغة التترية ما هي إلا لغة القرشاي.

‏ويقول الأمير الروسي الباحث "شاخوفسكي": إن السفانيين يعلمون أولادهم اللغة السفانية، وبالإضافة لذلك فهم يعلمونهم لغة القرشاي أيضا.

‏وهذا دليل اخر لإثبات أن اللغة الدولية في القفقاس إنما كانت لغة القرشاي التي كانت أتم لغة وأجمل لغة وأكثر لغات الشعوب القفقاسية قدرة على التعبير، وبهذا الصدد يقول المبشر الايطالي الرحالة "اركاند جيلو لامبرتي" الذي قضى في القفقاس عشرين سنة متواصلة وعرف كل شعوبها عن قرب يقول :ولقد أدهشني جدا كيف استطاع القرشاي في وسط هذا الكم من اللغات البربرية التي تتكلم بها الشعوب المحيطة بهم أن يحافظوا على نقاء ونظافة لغتهم.

‏اللغة هي التي تحمل الفكر، وأصحاب اللغة المتفوقة لا بد لهم من أن يكونوا أصحاب حضارة متفوقة، فهل القرشاي شعب متحضر حتى تستطيع لغته أن تفرض نفسها ليس في القفقاس فحسب، بل بأركان الدنيا الأربع، الجواب هو نعم، والوثائق التاريخية تشهد على ذلك بقوة وسوف نصحبكم برحلة قصيرة جدا ومكثفة عن وثائق التاريخ ا لتي استطعنا الحصول عليها . ولسوف نبدأ من العصر الحديث، وبمد ذلك نهبط بالتدوير إلى أعماق التاريخ لنثبت فرضيتنا القائلة بأن هذه اللغة هي التي تكلم بها أدم القفقاسي، وبان جذور هذه اللغة تنبع من خارج الأرض... من السماء، وفروعها انغرست في خفايا الذاكرة الإنسانية، ومهمتنا هي نفض الغبار عنها واعادة بنائها .

يقيم القرشاي وإخوانهم البلقار اليوم على سفوح جبل ايلبروس، الذي يسمونه "مينكي طاو" ويبلغ تعدادهم حوالي 250 ‏ألف نسمة فقط، بعد أن تعرضوا لحملات الإبادة على يد قبائل الهون، ثم على يد جنكيز خان ثم على يد تيمورلنك، ثم على يد الروس الذين أقدموا عام 1943 ‏ميلادية على ارتكاب أبشع جريمة، وذلك عندما قاموا بتهجير القرشاي والبلقار إلى صحارى أسيا الوسطى حيث قضى الجوع والعطش والقهر على ألحر من 70‏% من كامل تعدادهم.

وقد أعيدوا لوطنهم بعد أربعة عشر عاما من التشريد وذلك عام 1957 ‏م،  هم شعب مشهور بحب العمل لدرجة الجنون، ومعروف بإخلاصه وصدقه وكرمه وحتى نكون منصفين وواضحين، نترك الكلام للوثائق التاريخية.

‏يقول الجنرال "بلالمبرك" الذي خدم في جيش القفقاس وبالإضافة لذلك فهو باحث ومؤرخ، يقول عام 1830م ما يلي:

‏((وإجمالا، يمكن القول وعلى أساس متين، إن القرشاي يعتبرون أكثر شعوب القفقاس تحضرا، وإنهم وبفضل أخلاقهم الدمثة يشكلون عامل تحضيرلبقية الشعوب القفقاسية،وهم بخلاف القفقاسيين الآخرين يعاملون زوجاتهم بإنسانية تامة،ومسألة تربية الأطفال لها قواعدها الصارمة وهي تستحق كل تقدير)).

‏ويقول الأكاديمي الألماني "هنري كلا بروت" عام 1800 ‏م ما يلي:

‏((وعمومأ يمكن القول، وبكل ما للكلمة من معنى وبكامل الحق. إن القرشاي هم أكثر شعوب القفقاس تحضرا، وإنهم من حيث لين ودماثة اخلاقهم يفوقون كل جيرانهم، وهم يعاملون زوجاتهم بإنسانية تامة واهتمام كبير مما يدل على أن الزوجة عندهم كما عند الأوربيين صديقة لزوجها وليست خادمة عنده)).

‏أما شيفيتسوف فيقول:

‏(( ‏وعمومأ القرشاي يتميزون عن القفقاسيين الآخرين بأناقة ثيابهم ونظافة

حياتهم المنزلية، ولطفهم في التعامل، واحترامهم للغير، ووفائهم لكلمتهم.

‏وهذه الأقوال والشهادات للمؤرخين والباحثين تثبت أن القرشاي كان محضرا لبقية شعوب القفقاس وليس عالة عليهم.

وهذا أمر طبيعي، لأنه الشعب الوحيد المستقر في بيوت حجرية، الشعب الوحيد الذي لم يمتهن البداوة والتنقل وكان له عنوان دائم يمكن لمن يبحث عنه أن وبهذا الصدد يقول المؤرخ الجورجي "فاخوشتي" إن القرشاي-بلقار يعيشون في أماكن مستقرة، لهم فيها بيوت مبنية من الحجر وقلاع ضخمة.

‏ويتابع الباحث الروسي "ف - ب- كوبجف" قائلأ: انه لأمر عجيب أن يستطيع القرشاي إنشاء تجمع بشري يضم 1200‏بيت حجري في منطقة خورزوك لوحدها إنه لأمر عجيب أن يوجد مثل هذا التجمع الكثيف والمستقر في الجبال.



‏ويقول الباحث "كردانف" وهوشركسي الأصل: إنه اعتمادا على الوثائق الروسية يمكننا أن نقول:إن بيوت جميع الشعوب الجبلية والقفقاسية بيوت مؤقتة وغير ثابتة ما عدا بيوت القرشاي.

ومن خلال رحلاتي الاستكشافية رأيت بأم عيني البيوت القرشية الضخمة المبنية من الحجارة، وقد جهزت بوسائل للصرف الصحي، وشقت قنوات الماء العذب بالصخر لتمر من أمام كل منزل وشاهدت البيوت المبنية من جذوع كاملة من الشجر، وقد سقفت بطبقة من التراب تبلغ سماكتها من 80 - 100سم.

‏وليس أدل على ذلك من أن كلمة مدينة (قبق) بلغة القرشاي يستعملها كل سكان القفقاس، مما يعني أنهم تعلموا الاستقرار وبناء المجمعات الآهلة من القرشاي.

‏ويقول الرحالة التركي "ايليا شلبي" الذي زار القفقاس عام 1666 ‏م، إن القرى الشركسية من انابا حتى ترك تسمى (قبق).

وفي عام 1724 ‏م يذكر السفير الفرنسي في القرم بأن القرىالقبرطية قبق .

‏أما الباحث الروسي "سيمن برونفسكي" فيقول: ان الكلمة الابخازية (قبق) التي تطلق على القرى الآهلة هي كلمة من قاموس القرشاي- بلقار.

‏والقرشاي باعتراف المؤرخين هو أول من صنع اللبن في القفقاس على الأقل وظلت صناعة لبن القرشاي سرا وحكرا على القرشاي لوحدهم حتى منتصف القرن الثامن عشر، حيث استطاعت فتاة روسية بالتعاون مع جهاز الأمن الروسي من الحصول على أسرار تصنيع اللبن، واستعمل لبن القرشاي في كل من روسيا وألمانيا ويوغوسلافيا استعمال الدواء لمعالجة الكثير من الأمراض، ولكن بالرغم من حصولهم على بذرة اللبن لتصنيعه إلا أن احد لم يستطع حتى الآن كشف السر البيولوجي في اللبن القرشي، والذي هو عبارة عن ميكروبات دقيقة تتوالد ذاتيا، كما لم يستطع العلماء حتى الآن من معرفة المصدر الذي حصل منه القرشاي لأول مرة على سر تصنيع هذا اللبن الذي يسمى اليوم في روسيا (كفير) ويسميه القرشاي (كبى) بالجيم المصرية.

وبالاضافة لذلك فللقرشاي فصلية خراف معروفة باسم فصيلة خاروف القرشاي التي تمتاز بحليبها الذي لا يضاهيه حليب في العالم، وصوفها الثمين ولحمها الذي أعتبر ألذ لحم في روسيا . ولا تضاهي أية فصيلة خراف في العالم فصيلة خراف القرشاي. ‏وللقرشاي أيضأ فصيلة خيول مشهورة عالميا . ويعود تاريخ ترويض هذه الفصيلة إلى ما قبل عصر الميلاد المعروف .هذه الفصيلة المتميزة.

‏وهذا يدل على قدم تواجد القرشاي في القفقاس، وليس عبثا ما قاله ‏المؤرخ وهذا يدل على قدم تواجد القرشاي في القفقاس، وليس عبثا ما قاله المؤرخ الروسي "ن- ت اليتسكي"، نحن نتوقف في مصيف (تبردى) وهنا يعيش القرشاي أقدم قبائل القفقاس .

‏والى شعب القرشاي ينتسب "أورسبيف إسماعيل" الذي أقام أول معمل في القفقاس لتصنيع مشتقات الحليب، واليه ينتسب جو ماروق علي أول من صنع طائرة شراعية وطار بها في القفقاس ودرس في معهد الطيران الروسي في لينغراد، والى شعب القرشاي ينتسب المهندس "دودوف إسلام" الذي تفوق على /300‏/ مهندس قاموا من شتى أنحاء العالم في مسابقة دولية لتصميم أول جسر معدني متحرك على نهر الفولغا في روسيا ونال شرف تصميمه وتنفيذه وما زال اسمه منقوشا عليه.

والى القرشاي ينتسب "ابايف إسماعيل "0 ‏الذي كتب سيناريو أول فيلم صور في روسيا، واليهم ينتسب أول من نادى بوحدة شمال القفقاس وانفصاله عن روسيا. الحقوقي "باسيات شاخانف" الذي جمع مندوبي شعوب القفقاس وترأس اجتماعاتهم وصاغ دستور جمهورية شمال القفقاس عام 1918 ‏م.

‏واليهم ينتسب بطل الاتحاد السوفيتي "هارون بوغاتيروف" الذي كان أول من هزم القوات الألمانية الفاشية وغير نتيجة الحرب العالمية الثانية ببطولاته التي ألهمت المدافعين عن لينغراد وكانت بداية الهزائم الألمانية، وقد تابع هذا البطل انتصاراته وكان ضمن من اقتحم شوارع برلين بدبابته ودخل الريخستاغ وعاد سالما لوطنه.

‏واليه ينتسب أول من نظم حرب العصابات في بيلوروسيا البطل الأسطورة "عثمان قصايف"، وما زال إلى اليوم ينتصب تمثال برونزي كامل لهذا البطل في عاصمة بيلوروسيا .

واليه ينتسب الجنرال "فلاديمير سيمنوف" قائد القوات الارضية في روسيا حاليا، وهو صاحب أعلى رتبة وجنرال الجيش في الجيش الروسي في الوقت الحالي، وكذلك الجنرال "سلطان محمد"، الذي أشرف على تنظيم القوات العربية السورية واعدادها، ومقول السيد "سويونجف ازمات " 0 ‏الذي يعد الآن كاتبا عن حياة هذا الجنرال أنه كان من أقرب المستشارين العسكريين لسيادة الرئيس حافظ الأسد، وقد أهداه سيادة الرئيس حافظ الأسد السيف الدمشقي المذهب.



‏ولا ننس أن أول امرأة في روسيا تحصل على رتبة جنرال هي امرأة قرشية اسمها "زلفة بوتاشفا ".

كما أن أكبر نسبة حاملي الشهادات العليا في الاتحاد السوفيتي سابقا كان شعب القرشاي- بلقار، كما حصل شعب القرشاي على لقب أشجع شعوب الاتحاد السوفيتي لأن أحد عشر بطلا من أبنائه حصلوا على أوسمة بطل الاتحاد السوفيتي علما بأن تعداده كان وقتئذ /80‏/ ألفأ فقط، أي كل خمسة ألاف قرشي حصل واحد منهم على لقب بطل الاتحاد السوفيتي، ويلي القرشاي مباشرة الابخاز، ثم الاستين... الخ.

‏واليوم لم يتغير أي شيء وما زال هذا الشعب يعطي، فأحد أكبر مصممي الصواريخ السوفيتية العابرة للقارات هو من القرشاي- بلقار واسمه "تيمور آنايف "ومخترع ومصمم صواريخ الطقس السوفيتية هو"محمد ابشايف"، ومخترع العديد من الأسلحة الروسية الفتاكة التي أرعبت حلف الناتو هو الأكاديمي "محمد زليخانوف" وما زالوا أحياء، وتطول القائمة التي نرغب في اختصارها واختتام هذه اللمحة القصيرة والهامة للتعرف على هذا الشعب والتي نفترض أن لغته لغة آدم القفقاسي.

من كتاب ( هل هبط آدم في القفقاس)

للكاتب: محمد عمر بغدادي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق