اجتمع أعداء سوسروقة من النارتيين . ودعوا العمالقة إلى الاجتماع . كما جمعوا كل من أساء إليه سوسروقة بكلمة ، أو ناله منه ضربة سوط أو طعنة . فأخذ الجميع يقدحون بسوسروقة ويدعون عليه بالهلاك . وتكلم النارتيون الشجعان الذين لا يعرفون معنى التعب . كما تكلم العمالقة الذين امتلأوا غيظا :
- الذي يخدعنا ويقتلنا غيلة هوسوسروقة .
- الذي يسرق نارنا ولا يكف عن جز رؤوسنا هو سوسروقه .
- الذي يقتلنا نحن العمالقة ، ولا يسقطيع أحد منا أن يقتله هو سوسروقة
وهكذا غضب العمالقة .وكان النارتيون على استعداد للإنفجار , فأخذوا
يعبرون عن حنقهم :
_ إذن فان سوسروقه وليد الشر .
_ لماذا نعيش اذا لم نسلخ جلد ذلك الذي لا يعرف من هو أبوه .
_ كيف نسمح له بالعيش وهو الذي يستدعي علينا العواصف ويستخدم الأنواء سلاحا ، وحصانه الأسرع بين خيلنا فلا نستطيع به لحاقا؟.
_ فلماذا نبقى اذن وهو يحمل سيف لبش سلاحا يفل به الأسلحة التي بين أيدينا ولا يعطينا فرصة ليطلع فيها عيلنا الفجر,وكيف نجبن عن ضربه ونهاب لقاءه؟ .
_ وكيف نقبل نحن النارتيين أن يكون سوسروقة أحسن وأشجع منا, يخشاه رجالنا ونساؤنا ، ويقدر على الكثير مما لا نقدر عليه نحن ؟ .
_ كيف نقبل على وجوهنا النارتيه أن يكون سوسروقه محط أنظار نسائنا ، ويردف معه أجمل فتياتنا متى شاء ؟ .
- أية حياة نعيشها ، وسوسروقة لا يقبل أن يعش بيننا بطل أقوى منه ، وهو
يصيح علينا صيحة الثيران الشابة عندما لا يعجبه شي ء .
ويشتد غيظ النارتيين , وكان غضب العمالقة شديدا فيقررون :
أن يقتلوا سوسروقة ولا يدعوه يعيش . ولكن بما أن النارتيين والعمالقة لم يكونوا قادرين على قتل سوسروقة بمبارزة صريحة أو بمغارزة نظيفة أو بقوة ضربات السيوف ، فإنهم يجمعون كل الساحرات في بلاد النارتيين ليبتكروا طريقة لقتله . ودون أن يعرف سوسروقة شيئا عما يدبرون له ، يضع سرجه عل حصانه تخوجي مستعدا للخروج . وتنظر ستناي إلى خاتمها . فيضيء خاتم ستناي بضوء أزرق رمادي ثم ينقلب الضوء إلى لون الدم .
وعندما ترى ستناي ذلك تخرج وراء سوسروقة :
_ لا تذهب يا ولدي فأمامك طريق ينذر بالشر . خاتمي ينبعث منه ضوء أزرق رمادي ثم يتحول الى لون الدم . لا تخرج وأجل رحلتك هذه المرة . _ قالت ستناي لولدها متوسلة .
_ لا يا أمي ستناي . ما هذا الذي تقولينه ؟ إذا كان خاتمك ينبعث منه ضوء أزرق رمادي ثم يتحول إلى لون الدم ، فهل أعدل عن الخروج وأحتمي بذيل ثوبك ، ألن يملّ أعدائي حينئذ ؟ _ قال سوسروقة ، ثم ركب حصانه .
_ أطعني ولا تخرج . _ توسلت ستناي ثانية .
_ لا يا أمي لن يرتاح ل بال حق ألاقي أعدائي الذين يتربصون بي . _ سيقتلونك إذا خرجت .
_ خير لك أن تعيش قليلا ويذكروك مائة قرن, من ان تعيش مائة قرن جبانأ ولا يذكرك أحد . _ قال سوسروقة .
_ لن تعدل حتى لو علقوا قلبك على رأس رمح حين تقرر الخروج وتستعد له . قالت ستناي, ثم أضافت : _ يا ولدي مهما وجدت في الطريق فلا تلتقطه ولا تشتهيه ولتكن قنوعا .
• ولم ذلك يا أمي ؟ .
_ خاتمي يعمل دون توقف ,وتظهر فيه بعض الاشياء تنزُّ دما .
_ ايه يا أمي ستناي . من دب الذعر في قلبه يخّيل إليه الأحلام وكأنها حقيقة . لا تخافي يا أمي ، فأنا لست رجلا من هؤلاء . _ قال سوسروقة وهو يخرج ممتطيا حصانه .
وانطلق يمشي ويقفز ، وبعد أن قطع مسافة طويلة صادف شجرة ضخمة . وتحت الشجرة يرى حذائين يتصارعان , أحدها من الجلد الرقيق والآخر من جلد البقر . الأول يحاول تسلق الشجرة فيمسك به الحذاء المصنوع من جلد البقر ويمنعه من ذلك ، ويحاول التسلق بدوره .
وهكذا يتسلقان قليلا ثم يتماسكان ويقعان معا . عندما يتسلق الحذاء المصنوع من الجلد الرقيق تجف الشجرة وعندما يتسلق الحذاء المصنوع من جلد البقر تخضر الشجرة من جديد .
ينظر سوسروقة الى الحذائين مستغربا ويحاول التفريق بينهما بمقبض سوطه, لكنهما ما يلبثان أن يشتبكا من جديد ويتسابقا لتسلق الشجرة فيقعان ويتنازعان من جل يد . وتركهما سوسروقة عل حالهما وقد أدهشه منظرهما وتابع طريقه .
وقبل أن يقطع مسافة طويلة يصادف ما هو أعجب وأغرب . . فعلى قارعة الطريق برميلان خشبيان . أحدهما مترع بخمر العنب والآخر فارغ تماما يرقص حول البرميل المليء يتقلب ويدور وينقلب ليقف من جديد . والمليء واقف دون أية حركة . وعندما رأى سوسروقة ذلك توقف . حمل البرميل المليء وقلبه فوق البرميل الفارغ . ليملأه ولكن نقطة واحدة من البرميل المليء لم تنسكب داخل البرميل الفارغ .
تعجب سوسروقة من ذلك وتابع طريقه . وقبل أن يقطع مسافة طويلة صادف ما هو أعجب وأغرب : على الطريق أمامه حبل طويل . يمد الحبل نفسه ثم يلتف من جديد . يرقد الحبل في طريق سوسروقة مديدأ وما أن يقترب منه حق يلتف على نفسه من جديد . يمسك سوسروقة بطرف الحبل فيجر وراءه بعض الوقت ويلقي به . فيلتف الحبل عل نفسه من جديد ويرقد في طريق سوسروقة .
تعجب سوسروقة من ذلك كثيرا وتابع طريقه . ولما اقترب من بلدة النارتيين القديمة تذكر حبيبته التي تقيم هناك .
سأقضي الليلةعند حبيبتي وفي الغد سأذهب للقاء النارتيين. قال سوسروقة لنفسه وعرج عل دار الحبيبة .
وعندما دخل سوسروقة الدار رأى الكلبة العجوز نائمة أمام البيت وأخذ الجرو الذي في بطنها ينبح عليه . فتعجب سوسروقة من ذلك وقاد حصانه إلى الإسطبل وبيَّته . ثم توجه إلى الغرفة التي يرقد فيها أبوا حبيبته العجوزين وألقى نظرة إلى داخلها فرأى العجب العجائب :كان الشرر يتطاير من فم الأم العجوز النائمة . ومن فم الأب العجوز تزحف أفعى كبيرة وما أن تخرج حق تزحف داخلة إلى فمه من جديد .
تعجب سوسروقة مما رأى وتابع طريقه إلى غرفة حبيبته ودخل الغرفة فوجد الحبيبة نائمة . وعندما لمسها ليوقظها وجد نصفها حارا كالنار ، والنصف الأخر باردا كالجليد
أيقظ سوسروقة الحبيبة مستغربا ذلك .
_ أهلا بك يا سوسروقة . _ قالت الفتاة وهي تقفز واقفة . وعندما لاحظت أنه حزين سألته :
• لم أنت حزين يا سوسروقة ، من الذي أصابك أذاه ؟ .
_ منذ اليوم الأول الذي وطئت قدماي فيه ركابأ وركبت حصانا لم أرى أغرب مما رأيته اليوم .
_ أي شي ء هذا الذي وجدته غريبا أنت :´ يقول النارتيون انه لم يولد أغرب منك ولن يولد . _ قالت الفتاة .
_ لماذا تهتمين بما يقوله النارتيون ؟ ليس بينهم من رأى عملاقين يتضاربان بالجبال إلى الآن .
_ وهل يمكن أن يحدث ما هو أغربه من تضارب عملاقين بالجبال ؟ .
_ كنت أنوي لقاء النارتيين اليوم فخرجت . _ بدأ سوسروقة _ وحتى وصولي اليك شاهدت العجائب والغرائب اللاحق منها أعجب واغرب من السابق
_ يا الهنا . ما هي هذه الأشياء التي رأيتها أنت غريبة ؟ . - سألته ابنة النارتيين.
_ في طريقي صادفت شجرة بجانب الطريق وكان حذاءان أحدهما من جلد البقر والأخر من الجلد الرقيق يتصارعان مرة في أسفل الشجرة وأخرى على قمتها . يتسلقان مشتبكتين ويقعان من جديد مشتبكين أيضا . اقتربت منهما وألقيت كلا منهما في جهة بعيدا أحدهما عن الآخر ، ولكنهما أسرعا لبعضهما واشتبكا من جديد متسلقين إلى قمة الشجرة . قال سوسروقة .
_ فلم أنت حزين من أجل ذلك ؟ _ سألت الفتاة النارتية _ إذا لم تفهم معنى ذلك فسأشرحه أنا لك . إن ما رأيته هو صرع مجموعتين كبيرتين . انها حرب لا محالة واقعة . الحذاء المصنوع من جلد البقر هو رمز للفقراء أما المصنوع من الجلد الرقيق فهو يمثل ذوي السلطة والجاه . اها قمة الشجرة التي يتصارعان عليها فهي خيرات هذا العالم .
_ لا ! لقد أخبريي عجبا . _ تكلم سوسروقة _ تركت الحذائين وقبل أن أقطع مرحلة واحدة من طريقي صادفت برميلين خشبيين . أحدهما يطفح بخمر العنب ، والأخر فارغ تماما , والفارغ يرقص حول الملي ء ويتقلب . حملت البرميل المليء وحاولت أن أصب منه في البرميل الفارغ ولكني لم أستطع أن أسكب منه نقطة خمر واحدة .
_ هذا يدل على أن المليء والفارغ لا يتفاهمان منذ الأزل . _ قالت حبيبة سوسروقة .
_ لا ! لقد اخبرتي عجبا _ تكلم سوسروقة _ اجتزت البرميلين وقبل أن أقطع مرحلة واحدة من طريقي صادفت حبلا عتيقا بجانب الطريق . أمسكت بطرف الحبل وسحبته . جررت الحبل ورائي وجررته ولما ألقيت به بعيدا وتابعت طريقي عاد يرقد أمامي وقد التف على نفسه . سحبته ثانية وألقيت به فالتف على نفسه من جديد . التف على نفسه ورقد في طريقي .
- هذا الحبل هو صرة امك . _ قالت حبيبة سوسروقة _ لأنك خرجت دون موافقة أمك فانها تمد صرتها وراءك لشدة قلقها عليك . والحبل يلتف على نفسه لأن امك تريد منك العودة . لا تبتعد عن صرة أمك يا سوسروقة هذا ما تقوله لك أمك عبر هذا الحبل .
_ لا . ! لقد أخبرتي بالعجب . تكلم سوسروقة _ ألقيت الحبل عن طريقي بمقبض السوط وتابعت سيري . وعندما دخلت داركم قبل أن أقطع مرحلة ، وجدت كلبتكم العجوز نائمة امام البيت فلم تتحرك . ولكن الجرو الذي في بطنها نبح علي .
هذا معناه _ قالت حبيبة سوسروقة _ ان الأطفال الذين سيولدون في المستقبل
سيتفوقون على آبائهم وأمهاتهم . سيحاجونهم وسيبقونهم .
_ لا . . ! لقد أخبرتي عجبأ _ تكلم سوسروقة _ هذا حسن ، ولكن ما معنى هذا؟:
قبل قليل نظرت إلى داخل الغرفة التي يرقد فيها أبواك ، فرأيت أفعى تزحف إلى داخل فم أبيك وتخرج ثم تدخل ثانية . وكان الشرر يتطاير من فم أمك .
_ هذا معنا _ قالت حبيبة سوسروقة _ بما أن أبي كان قد فرق بين روحين متحابين فان الحزام الجلدي اللذ ي علقه على قائمة السرير تحول إلى أفعى وأخذت تزحف داخلة وخارجة من فمه . أما أمي العجوز التي رأيتها والشرر يتطاير من فمها فإنها تتعذب لأنها كذبت عندما ذهبت لتعزي ونطقت بلسانها غير ما تضمره في قلبها .
_ لا . . . ما أعجب ما أخبرتي به . _ تكلم سوسروقة _ حسنا ولكن ما معنى هذا ؟ لمستك لأوقظك فإذا نصفك حار كالجمر والنصف الآخر بارد كالثلج .
_ ذلك لآني صرت مترددة في علاقتي معك _ قالت حبيبة سوسروقة _ فأنت لم تعد تذكرني عندما يكون طريقك بعيدا عن ديارنا . أما عندما تمر قريبا من هنا فانك تعرج علي لتتسلى .
_ لا ! ما أقس ما تقولين . _ تكلم سوسروقة . . .
قام سوسروقة من مكانه وقد حز في نفسه قول الحبيبة ونظر إلى خارج الغرفة كان النهار صباحا والشمس في كبد السماء . وما أن أطل سوسروقة إلى الخارج حتى أظلمت الدنيا وانقلب النهار إلى ليل وهبت العواصف .
واندفعت الغربان السوداء الى داخل الغرفة وأخذت تحوم فيها وتضرب السقف بأجنحتها وكأنها تريد هدمه .
استغرب سوسروقة ذلك كثيرا وسأل حبيبته : _ من رأى في حياته غربانا تطير في الليل ؟ لماذا دبت فيها الحركة الليلة يا ترى ؟
حاولت حبيبة سوسروقة أن تتهرب من الإجابة على هذا السؤال . ولكن سوسروقة ألح عليها فلم تجد مناصا من القول :
_ هذا _ قالت الفتاة _ ليس فألا حسنا بالنسبة لك . لا أعرف من يكون ، ولكن
أحدهم يريد بك شرا وستضيع حتما عندما تلتقي به . لقد حان أجلك يا سوسروقة.
_ لم أعش يوما واحدا دون ان يحين أجلي _ قال سوسروقة ضاحكا _ هددني العمالقة أكثر من مرة بأن أجلي قد حان ، وسمعت ذلك من أبطال النارتيين مرارا . لكن أجلي كان يمر وأجعل أجل الذين يهددوني يحين .
_ لا يا سوسروقة . _ قالت الحبيبة _ لا تعدني مع العمالقة ولا تنظر إلي نظرتك للآخرين . لا ترحل هذه المرة حتى لو قررت الرحيل وعد من غدك إلى ستناي .
وغضب سوسروقة لما سمع هذا الكلام من الحبيبة :
_ أمي تقول لا تخرج وحبيبتي تلح علي بالعودة . فأي رجل أنا . وخرج من الغرفة على الفور وأخرج حصانه من الإسطبل فامتطاه وأردف قبل أن يغادر
_ اذا كنت سأمضي ليلة واحدة وأنا أهاب عدوي فلأمت . .
لما سمع واشخوه نصير النارتيين كلام سوسروقة خاف منه وقلب الليل إلى نهار من جديد . وانطلق حصان سوسروقة « تخوجي » الى « حرمه أواشحه » .
انطلق سوسروقة يمشي ويقفز . من يعرف كم قطع من طريقه . وأنتم تذكرون مشية سوسروقة وفي طريقه وجد قيدا حريريا نادر المثيل . اشتهى سوسروقة القيد الحريري وحاول أن يلتقطه فاعترض تخوجي :
- هل نسيت وصية أمك ؟ _ قال الحصان .
_ إيه يا تخوجي العجوز . لم أضع لك قيدا حريريا طوال عمرك . دعنا نأخذه . _ قال سوسروقة راجيا .
_ لا ، لا نريده _ قال تخوجي ولم يسمح لسوسروقة بالتقاط القيد الحريري . وانطلق يمشي ويقفز _ فليعتد رببيك على قفزات سوسروقة _ وبعد أن قطع مرحلة لا بأس بها من طريقه إلى « حرمه أواشحه » وجد في طريقه سوطا جميلا له ثلاثة فروع . ولماكان مقبض سوطه _ انكسر عندما رمى به الحبل عن طريقه كما تذكرون ، لذلك نوى أن يلتقط السوط خاصة وأن مقبضه مغطى بصفائح الذهب والفضة ، ومن أحسن السياط التي رآها
_ سألتقطه . _ قال سومروقة وهو يمد يده فتكلم تخوجي : _ كف عن ذلك يا سوسروقة ولا تأخذه .
سمع سوسروقة كلام تخوجي وعدل عن التقاط السوط وتابع طريقه يمشي ويقفز . ولما اقترب من « حرمه أواشحه » رأى خوذة ذهبية على قارعة الطريق . لم تكن خوذة عادية ، فالحبين بلون الذهب ، وهي تضيء كأشعة الشمس .
ولشدة إعجاب سوسروقة بالخوذة مد يده ليلتقطها فتكلم تخوجي من جديد : _ لا يا سوسروقة لا تأخذها . لماذا نسيت ما أوصتك به ستناي ؟ _ قال الحصان معاتبا.
ولكن سوسروقة كان قد تعلق قلبه بالخوذة فلم يسمع كلام تخوجي .
_ كيف أترك مثل هذه الخوذة ؟ انها بلون الذهب مصنوعة من أشعة الشمس . سآخذها وأضعها على رأسيٍ وسألعب بعد ذلك مع النارتيين . _ قال سوسروقة وحمل الخوذة ووضعها على رأسه .
لبس الخوذة وانطلق يمشي ويقفز . ولما اقترب من حرمه أواشحه تشابكت أقدام حصانه تخوجي .
• ايه يا تخرجي العجوز لماذا تباطأت ؟ _ سأل سوسروقة حصانه .
_ لم أعد أستطيع نقل خطواتي من شدة حزني على مخالفتك وصية السيدة ستناي بأخذك تلك الخوذة ووضعها على راسك . _ قال تخوجي شاكيا .
_ لا تحزن من أجل الخوذة ، وهيا بنا عندما نصل الى حرمه اواشحه سنري النارتيين كيف يكون الضرب . لا أخشى سوى على أسفل فخذي . فجسمي كله فولاذي ، ولكن عندما سقاني « لبش » أمسكني من أسفل فخذي فبقي ذلك المكان من جسدي دون سقي وأنا لا أخش إلا عليهما . أستطيع أن أضرب عجلة النارتيين الحادة بكفي وصدري وجبيني . ولكنهم إذا قالوا : «اضربها بفخذيك » فستقطع فخذي . تلك هي نقطة ضعفي . وأنت يا تخرجي ما هي نقطة ضعفك ؟ _ سأل سوسروقة حصانه .
• ما كان يجدر بك أن تذكر نقطة ضعفك ، فلا تسألني أن أذكر نقطة ضعفي أنا أيضا . _ توسل إليه حصانه .
- فلتأكلك الكلاب أيها الجبان . تخاف أن تتكلم . . ماذا جرى لكما اليوم ، حبيبتي أولا ثم حصاني _ غضب سوسروقة .
- حسنا إذن ، سأقول - بدأ تخوجي يتكلم - نقطة ضعفي التي أخاف منها انا هي أسفل حوافري . لا يوجد ذو حافر في العالم يستطيع ان يتغلب علي أو اللحاق بي . ولكن بما أن الأجزاء السفلية من حوافري طرية ، فلا تجعلي أركض في مجاري الأنهار والوديان لأن الحصى ستجرح حوافري سأقع بعدها زاحفا على الأرض . تلك هي نقطة ضعفي .
وما ان اتم تخوجي كلامه حتى طارت الخوذة التي وضعها سوسروقة على راسه بهدوء واختفت .
_ أما زالت خوذتك على راسك؟ _ سأله تخوجي ، فرفع سوسروقة يده يتلمس الخوذة فلم يجدها .
_ لهذا طلبت منك ان لا تفشي بأسرارنا . _ قال تخوجي .
ووصل سوسروقة إلى حرمه أواشحه مستغربا ما جرى له ورأى النارتيين والعمالقة مجتمعين هناك . وعندما راوه تصايح النارتيون وصرخ العمالقة :
_ إيه يا سوسروقة يا غريمنا ، وليد الشر يا من لا تعرف أباك . ستسيل الدماء اليوم فهيا . !_ صاح النارتيون وصرخ العمالقة .
_ إيه أيها النارتيون غضبكم . وأنتم أيها العمالقة لا توفروا جهدكم . إذا ضربتم ستجدون من يرد عليكم . _ قال سوسروقة ووقف في سفح « حرمه أواشحه » .
_ إيه سوسروقة ، يا من يستدعي الأنواء علينا وسلاحه يجلب الشر لنا ومن لا ندرك حصانه ، إذا كنت رجلا فاضرب العجلة الحادة بكفك . _ يقول العمالقة ويطلقون العجلة الحادة من القمة ، فيضرب سوسروقة العجلة الحادة بكفه ويعيدها إلى "حرمه أواشحه" .
_ إيه يا سوسروقة ما أقوى ضربتك . إيه يا سوسروقة يا من سيف لبش سلاحه الذي يفل به أسلحتنا ، ومن لا يعطينا الفرصة حق يطلع علينا الفجر . إذا كنت شجاعا فاضرب هذه العجلة بصدرك _ يقول النارتيون ويطلقون العجلة الحادة . فيضرب سوسروقة المجلة المندفعة بصدره ويعيدها ال « حرمه اواشحه » .
_ إيه يا سوسروقة ما اقوى ضربتك . يا من لا يكف عن سرقة نارنا وجز رؤوسنا . ان كنت شجاعا فاضرب هذه العجلة بجبينك . _ يقول العمالقة ويدحرجون العجلة فيضرب سوسروقة العجلة المندفعة بجبينه ويعيدها الى « حرمه أواشحه » .
يقلق النارتيون ويهلع العمالقة فيتصايحون ويصرخون ولا يجدون الطريقة التي سيقتلون بها سوسروقة . وفي هذه اللحظة تهرع « برنبوك » صاعدة الى " حرمه أواشحه" كانت هي بعينها التي رابطت في طريق سوسروقة . فهي ساحرة حولت نفسها إلى قيد حريري أول الأمر . ولما لم يلتقط سوسروقة القيد الحريري حولت نفسها إلى سوط ورابطت في طريقه ثانية . ولما لم يلتقط سوسروقة السوط ، حولت نفسها للمرة الثالثة إلى خوذة ذهبية ورابطت في طريقه . ولما أعجب سوسروقة بالخوذة أخذها ووضعها على رأسه وأفشى بأسراره، كان هذا ما تريده برنبوك فاختفت على الفور . أسرعت برنبوك إلى النارتيين والعمالقة وأخبرتهم :
_ إذا كنتم تريدون أن تقتلوا سوسروقة فاطلبوا منه أن يضرب العجلة الحادة بفخذيه .
ولما سمع النارتيون ذلك ، ولما علم العمالقة بذلك . تصايح النارتيون ، وصرخ العمالقة .
_ ايه سوسروقة . يا من يرينا أصول ضربات كثيرة . يا من أعجبنا بضربات كفه وصدره . وضربات جبينه أقوى . إذا كنت رجلا فاضرب العجلة الحادة بفخذيك . يقول النارتيون صياحا والعمالقة صراخا . ثم يمسك النارتيون والعمالقة العجلة الحادة معا ، ويدحرجونها من أعلى قمة « حرمه اواشحه » .
يا ويلتاه . سوسروقة غاضب . ويلي فقد اتقد سوسروقة من الحنق . يجري نحو العجلة الحادة المندفعة فيضربها بفخذيه . _ فليحدث ذلك لعدوك _ العجلة الحادة تقطع فخذي سوسروقة .
يندفع النارتيون ويتراكض العمالقة ليسلخوا جلد سوسروقة . ها هم ينحدرون من « حرمه أواشحه » شاهري السيوف ويزحف سوسروقة هنا وهناك . آه ، اقترب العمالقة ها قد وصل النارتيون . ويصيح سوسروقة :
_ تخوجي يا من لم اقسم به كذبا أبدا . لقد وعدتي أن لا تتخلى عيعني فأين انت ؟
يصل تخوجي ويقعي أرضا .
_ اسرع أسرع يا سوسروقة . تحامل على نفسك لتقدر على ما لم تقدر عليه من قبل وتسلق ظهري . _ يقول تخوجي .
ويتحامل سوسروقة على نفسه ليقدر على ما لم يقدر عليه ؟ ويتسلق ظهر تخوجي العجوز . فينطلق تخوجي كالبرق آخذا سوسروقة إلى ستناي .
يقذفه العمالقة بالحجارة والصخور ويرمي عليه النارتيون سيلا من النبال .
إيه . . . تخوجي العجوز يفلت منهم منقذا سوسروقة من بين أيديهم . يقلق النارتيون ويهلع العمالقة .
سوسروقة يخاطب حصانه :
_ تخوجي . . . إلى أين تأخذني ؟ . . لماذا تبتعد بي عن وجه أعد ائي ؟ . . إذا فقدت فخذي فما زلت أملك يدي وقلبي يغلي غليان مائة قلب . عد بي ودعني أنظر إلى وجوه أعدائي مرة واحدة . . أقسم أني لن أمنحهم طرفة عين .
_ لا ، لا يجوز أن نعود . _ يقول تخوجي .
~ لم يرني الإله نفسه مرة واحدة طوال عمري هاربا موليا ظهري لأعدائي . يا حصاني . يا حصاني العجوز تخوجي . . أرجوك أن لا تجلب لي العار . إذا كان أجلي قد حان فلا تجعل من ميتتي ميتتين وعد بنا . _ يقول سوسروقة متوسلا .
ولكن تخوجي يتابع طريقه دون توقف عائدا بسوسروقة إلى ستناي . يتصايح النارتيون ويصرخ العمالقة ، فسوسروقة يفلت من بين أيديهم .
وعندما ترى برنبوك ذلك تجري نحوالنارتيين والعمالقة وتصيح بهم :
_ ايها النارتيون ، يا من تستحقون الهلاك . أراكم تتركون سوسروقة يعود حيا . اجعلوا طريقه مجاري أنهار ووديان فلن يفلت منكم .
فيلقي العمالقة في طريق تخوجي بالحجارة والحصى ويحولون دربه على ما يشبه مجاري الأنهار . فتحطم انحجارة والحصى حوافر تخوجي الطرية ، ويتوقف الحصان وهو يلهث على الطريق النهري .
يقترب النارتيون ويصل العمالقة . . وعندما يرى تخوجي ذلك يقول لسوسروقة
_ لقد قطعت ما أستطيع قطعه من مسافات ، وسأساعدك بآخر ما أقدر عليه . اسلخ جلدي واتخذه ملجأ ، فمن داخل جلدي تستطيع أن تقاتل النارتيين والعمالقة سبعة أيام بلياليها .
يسلخ سوسروقة جلد حصانه تخوجي ويتخذ منه ملجأ ويقاتل النارتيين والعمالقة سبعة أيام بلياليها . وبعد أن تمضي الأيام السبعة بلياليها تنفذ نبال سوسروقة ويبقى داخل جلد تخوجي مهموما وهولا يجد ما يقاتل به الأعداء .
تمضي سبعة أيام أخرى بلياليها دون أن يجرؤ احد من النارتيين أو العمالقة على الاقتراب من سوسروقة . وتمضي بعدها سبعة أيام بلياليها .
« لقد مات الآن » يقول العمالقة والنارتيون ويقتربون معا من سوسروقة . . ها هوسوسروقة راقد دون حراك .
يشجع النارتيون بعضهم بعضا . ويلتقط العمالقة أنفاسهم .
_ إيه وليد الشر يا من لم يكن يحب أن يرى لنا خلفا . _ يقول النارتيون والعمالقة وهم يقتحمون مرقد سوسروقة .
يفيق سوسروقة ويفتح عينيه ، فيصعق بنظرته الأولى النارتيين والعمالقة الذين وقعت نظرته عليهم ويموتون من الرعب .
يهجم عليه من بقي من النارتيين والعمالقة ويصلونه سيلا من نبالهم لكنهم لا يستطيعون أن ينالوا من سوسروقة في شيء .
وعندما لم تجد نبالهم في النيل من سوسروقة . يقف العمالقة جنبا إلى جنب مشهرين سيوفهم يضربونه جميعا معا في وقت واحد ، لكنهم لا يستطيعون أن ينالوا منه شيئا . وعندما لم يقدر النارتيون والعمالقة على النيل من جسد سوسروقة يقررون : أن يدفنوا سوسروقة حيا تحت الأرض . ويسأله النارتيون ليخدعوه :
_ سوسروقة . لقد غلبتنا . نحن لا نستطيع أن ننال منك ، فإلى أين تحب أن أخذك؟ إلى الجهة التي يزيد عددها ، أم إلى الجهة التي ينقص عددها ؟
- إلى الجهة التي يزيد عددها خذوني_ قال سوسروقة لأنه كان يعتبر هذا العالم العتيق هي الجهة التي يزيد عدد سكانها .
أما النارتيون والعمالقة فكانو يعتبرون أن الجهة التي يزيد عددها هي العالم السفل الذي حاولوا ن يأخذوا سوسروقة إليه لكنه قاومهم فلم يستطع احد منهم الاقتراب إلى المدى الذي يصل إليه سيفه . عندئذ بدأ النارتيون يحفرون حوله دائريا عن بعد فحفروا حفرة عميقة . ثم حفروا تحت مرقده فأوقعوا سوسروقة حيا في ذلك اللحد العميق . وأهالوا عليه الصخور والتراب ثم بنوا فوقه تلة .
في قمة تلك التلة أقام النارتيون والعمالقة احتفالا لشرب خمر العنب ، وشربوا وأكلوا سبعة أيام بلياليها مبتهجين بدفن سوسروقة حيا .
ومنذ اليوم الذي دفنوا فيه سوسروقة حيا يتفتح الربيع كل عام وتشق الحشاش الأرض .
ولأن سوسروقة يرقد تحت الأرض حيا . فانه يحاول العودة إلى هذا العالم
الواسع . يبذل جهدا للعودة إلى الأرض ليطرد منها الأشرار والآثمين .
وكلما بذل جهدا للعودة إلى هذا العالم ، تسيل دموعه بسبب هذا الجهد .
إن الينابيع الحارة التي تسيل من سفوح جبال القفقاس هي دموع سوسروقة .
« بما أنني لم أعد أستطيع أن أساعد الناس ، فليستفيدوا من دموعي الحارة » هكذا يقول سوسروقة .
المرضى الذين يبللون أجسامهم بدموع سوسروقة يعودون أصحاء تماما . .
من ملاحم نارت الشركسية (ترجمة ممدوح قوموق)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق