الثلاثاء، 17 يوليو 2018

أصل المماليك وكلمة (مملوك)


يحلو لبعض الكتاب حينما يكتبون عن المماليك أن يقرنوهم بالعبيد ويصفونهم أنهم بيعوا كالرق الذي يدل على وضاعة الأصل كما يزعمون
ونحن نتساءل إن كانت كلمات مثل عبد ورقيق وجارية ومملوك ومولى التي كان الناس في القديم ابتدعوها ووصفوا بها بعضهم البعض ..إن كانت مثل هذه الصفات فعلا تحمل معنى وضاعة الأصل (أو تحمل أي معنى مذل على الإطلاق)
فمن المعروف منذ قدم التاريخ إن العبودية بدأت عندما بدأ المنتصر في المعركة يأخذ المهزوم أسيرا بدلا من قتله وذلك للاستفادة منه في الأرض أو البيت أو بيعه وجني الأرباح ومعم مرور الزمن تطورت أساليب العبودية وتوسعت بشكل كبير في معظم أرجاء العالم وكلما اشتدت الحروب والمعارك كثر عدد الأسرى الذين يتحولون لعبيد ورقيق وموالي بشكل آلي حتى يعتقوا وهكذا كان يمكن للمرء أن يكون اليوم أميرا أو جنديا حرا أو فتاة كريمة ويتحول غدا إلى أسيرا ويدخل في عداد العبيد والرقيق بعد خسارة المعركة

إن معظم أسلاف الشعوب التي سكنت الاتحاد السوفييتي السابق من التتار والروس والأرمن وشعوب القفقاس وغيرهم مارسوا تجارة الرقيق وكانت المعارك الطاحنة في هذه المناطق تعطي الكثير من الأسرى وحين اجتاح المغول والتتار هذه المناطق باعوا الكثير من الأسرى والروس والترك والروم والأوربيين والقفقاسيين في أسواق اسطنبول والقاهرة والى تجار وجنوا الأرباح الهائلة وكذلك فعلت الشعوب القفقاسية فالشراكسة ونتيجة لمعاركهم الكثيرة تكونت لديهم طبقة كبيرة من الأسرى والعبيد من شعوب جورجيا والروس والمغول والفرنجة فكانوا يبيعونهم في أسواق الرقيق ويشترون الأسلحة والأحصنة ثم تنوعت أساليب استعباد الناس وظهرت طرق جديدة كالخطف والشراء والإغراء وكان الوضع مغريا للطامعين وتجار الرقيق في حالة الشعوب القفقاسية الشركسية التي لم تستطع تكوين اتحاد مركزي قوي للتصدي للأعداء بشكل فعال وكانت بلادهم جميلة غنية وشبابهم اشتهروا بالفروسية وفنون القتال ونساءهم الأجمل بين الشعوب الآسيوية وهكذا فإن أي أسير من شبابهم او فتيانهم او صغارهم كان مرغوبا من الشعوب المجاورة
إن تكالب النخاسين وعصابات خطف الأطفال على سكان القفقاس إنما يدل على نقاء الأصل وصفات الإنسان القفقاسي وأخلاقه وسلامته الجسدية والنفسية
ومن هنا نفهم تدفق الشبان الصغار واليافعين من العناصر القفقاسية الشركسية إلى الدولة المملوكية ثم العثمانية من بعدها فكان الأولاد الصغار كثيرا ما يخطفون ويشحنون بالبواخر وبواسطة التجار والمحترفين
وحين قامت الدولة المملوكية عاد 1250 م في مصر والشام وفلسطين قام سلاطين الدولة البحرية (الأتراك) باستجلاب عدد كبير من الجنود الأتراك لتدعيم سلطتهم وشكل الجنود الأتراك والأكراد والتتار والبربر وغيرهم نسبة كبيرة بين الطولونيين والإخشيديين والفاطميين والأمويين وكان التجار الأوربيين وبعدهم الأتراك وغيرهم يجلبون إلى مصر آلاف الأسرى من المغول والشركس والروم والصقالية والمجر والتركمان في كل عام ويشتريهم المماليك في مصر
وعندما استلم السلاطين الشراكسة الحكم في الدولة المملوكية قاموا بدورهم بجلب الكثير من أبناء جلدتهم من القفقاس ليعززوا سلطتهم وكانوا كما ذكرنا يشترون الأسرى منهم ويفتدون آخرين ويرسلون الرسل لجهات القفقاس لجلبهم بعدة طرق منها إغراؤهم بالمناصب والامتيازات في الواقع كان هؤلاء القادمون يلقون الاحترام والتقدير ويخضعون للتعليم والتدريب القاسي ليصبحوا جنودا وقادة ..ويصف ابن خلدون في الجزء الخامس من تاريخه كيف كان ممثلو السلاطين يستقبلون هؤلاء المماليك بكل حفاوة وتشجيع
هكذا نرى أن إطلاق صفات الوضاعة وانعدام الأصل على المماليك من قبل بعض الكتاب لايدل إلا على جهلهم أو حقدهم فالمعروف في تلك الأزمنة كان ممكنا لأي فرد أو شعب أن يقع تحت سيطرة شعب آخر واستعباده والكلمات: مثل رقيق و مملوك ومولى لم تكن تعني أبدا ضعف الأصل أو الوضاعة ولذلك لم يكن عظماء السلاطين المماليك يخجلون من ذكر الطريقة التي جلبوا فيها إلى البلاد وكان الجندي المملوكي ذا هيبة ويفتخر بأصوله القفقاسية ويعتبر نفسه مميزا
وإذا رجعنا إلى عهد الرسول (ص) والخلفاء الراشدين نراهم من خلال نظرتهم الإنسانية الواعية ومعرفتهم لحقائق الحياة لم يكونوا ليسمحوا لأحد بتحقير أي عبد أو مولى أو جارية فالكل كانوا سواسية من العرب الأحرار أو غيرهم وقد جعل الرسول (ص) من بلال الحبشي العبد أصلا أول مؤذن في الإسلام رغم احتجاجات البعض كما أن عمر بن الخطاب كان يريد أن يولي سالم مولى أبي حذيفة خلافة المسلمين وهو الذي كان رقيقا أصلا ولا يعرف له أب ولم يكن عربيا
وإذا جارينا الكتاب الأجانب المتعصبين باتهاماتهم للمماليك كعبيد فماذا يقولون في الأعداد الكبيرة التي كانت تؤسر من الجنود الصليبين ونسائهم أثناء حروبهم مع الآسيويين والمماليك
فالسلطان بارسباي الشركسي حينما غزا جزيرة قبرص عام 1425 جلب معه كثير من الأسرى الصليبيين مع ملكهم وباعهم في أسواق القاهرة كعبيد ..فهل يصح أن يتهموا في أصلهم وما جاؤوا أو جلبة للخدمة وإنما للقتال في جيوش نظامية
إن مهمة هذا البحث دراسة المنجزات والتضحيات الكبيرة لهؤلاء الجنود الشركس والترك المسلمين الذين حموا وحافظوا بدمائهم وأعمالهم لمدة 300 عام على الوحدة العربية الإسلامية وحموا القرآن الكريم من أخطر الأعداء في تاريخ العالم الإسلامي والباحث يعتمد في ذلك على أوثق المصادر القديمة والحديثة سالكا طريق البحث العلمي الموضوعي

(مقال من مجلة البروز)
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق